تتنوع
أوجاع المرأة أثناء رحلة الحمل بداية من لحظة حدوثه وصولا إلى محطة
المخاض، ما يجعل منه رحلة شاقة ومؤلمة بحق، ولكنها رحلة لذيذة في معظم
الأحوال بخاصة بالنسبة للمرأة التي تتوقع نيل أفضل مكافأة على الإطلاق عند
الوصول إلى خط النهاية، ألا وهي الطفل المنتظر.


وتتعدد أسباب الألم ومظاهره تبعا
لمصادر حدوثه، وتكون في أغلبها أعراضا طبيعية نتيجة للتغيرات الفسيولوجية
(الوظيفية) التي تحدث لأعضاء الجسم المختلفة في أثناء الحمل.


ولكن
يجب على السيدة الحامل أن تقوم بنقل تفاصيل هذه الآلام بدقة شديدة لطبيبها
المعالج الذي يتابع حملها، من أجل استبعاد الأسباب المرضية للألم من جهة،
ولإعادة بث الطمأنينة في قلبها وشرح أسباب تلك الآلام من جهة أخرى.




حدوث الحمل
ويستمر الحمل لفترة تسعة أشهر وسبعة أيام (أو 280 يوما)
منذ تاريخ آخر دورة شهرية معلومة للسيدة، وهو ما يوازي 40 أسبوعا في عرف
الأطباء.


وإدراك وجود الحمل يكون غالبا
فيما بعد الأسبوع الرابع، عند غياب الدورة الشهرية التالية، أو قبل ذلك –
عن طريق الصدفة أو في حالات استخدام طرق الإخصاب الصناعي – في حال إجراء
اختبار الحمل الهرموني بالدم لسبب أو آخر.


ويكون التأكد من حدوث الحمل إما
عن طريق التحليل الهرموني، والذي يكون إيجابيا عقب تلقيح البويضة بثمان
وأربعين ساعة، أو عن طريق الموجات فوق الصوتية (السونار)، والتي تظهر
«كيس» الجنين في الأسبوع الرابع أو الخامس (طبقا لطريقة استخدام السونار
مهبليا أو عبر جدار البطن على الترتيب)، وتظهر مبادئ النبض في الجنين بدءا
من الأسبوع الخامس.


ظهور الآلام
وينتاب معظم النساء ألم طبيعي تتراوح شدته ما بين
المحتمل والشديد في فترة التبويض في منطقة أسفل البطن أو أسفل الظهر،
ويكون هذا الألم ناشئا عن تمدد الكيس المحتوي على البويضة قبيل انفجاره
وخروج البويضة.


ومع بداية الحمل، قد تعاني
السيدة من ألم طفيف في منطقة الحوض نتيجة احتقان الأعضاء بهذه المنطقة،
وزيادة كمية الدماء المتدفقة إلى الرحم استعدادا لاستقبال الجنين.


وفي
هذه النوعية من الآلام، يجب أن تتجنب السيدة تناول أي أنواع من المسكنات
إلا بإشراف طبي، حيث إن معظم أنواع الأدوية المسكنة للألم ممنوعة في
بدايات الحمل إلا لأسباب قسرية نظرا لاحتمالية تسببها في التشوهات الجنينية.


آلام متنوعة
وفي الشهور الثلاثة الأولى، تعاني معظم السيدات من آلام بمنطقة المعدة مصاحبة بغثيان أو قئ متكرر، وبخاصة في الصباح.

وتكون أسباب ذلك غالبا عائدة إلى تأثر جدار المعدة بهرمون الحمل HCG، الذي يزيد من حساسية بطانة المعدة تجاه الأحماض الهاضمة.

ويتم
علاج هذه الحالات عبر تقسيم الوجبات الرئيسية إلى وجبات صغيرة متكررة
تحتوي على نسبة معقولة من الألياف الغذائية على فترات متقاربة، حتى لا تظل
المعدة خاوية لفترات طويلة، وفي ذات الوقت نمنح للمعدة الراحة الكافية في
هضم كميات صغيرة من الأطعمة.


وقد نلجأ في العلاج أيضا إلى
استخدام بعض العقاقير التي تثبط المركز الدماغي المسؤول عن الغثيان، كما
قد نستخدم بعض معادلات الحموضة المأمونة في الحمل، مع زيادة الأطعمة التي
تقلل من الشعور بالحرقة مثل منتجات الألبان المختمرة كالزبادي أو اللبن
الرائب.


وقد تشكو بعض السيدات، وبخاصة من
يحملن للمرة الأولى، من ألم بالثدي. وفي الحالات غير المرضية، يكون ذلك
بسبب تمدد الأنسجة الخاصة بالثدي وبدء تكون الغدد اللبنية، وعلى الطبيب
التأكد من أن الثدي متجانس ولا توجد به أي كتل غير طبيعية، سواء ورمية أو
نتيجة عدوى ميكروبية (خراج).


كما
أنه ينبغي على الطبيب تعليم السيدة كيفية الفحص الذاتي الدوري للثديين، مع
تبصيرها بالملاحظات الطبيعية أو المرضية التي قد تلاقيها أثناء الفحص.


كذلك قد تزيد أوجاع منطقة الحوض
وأسفل البطن، وقد تصاحبها زيادة في إفرازات المهبل الطبيعية (وهي إفرازات
شفافة لا رائحة لها)، وهي نتيجة لما ذكرناه سابقا من احتقان أعضاء الحوض
الداخلية.


ويذكر أن الأدوية المسموح
بتناولها في هذه الفترة تقتصر على حمض الفوليك، الذي يساعد خلايا الجنين
على الانقسام، إضافة إلى الأدوية الأخرى التي قد تستخدم عند الحاجة – بعد
الاستشارة الطبية – كمثبتات الحمل أو بعض المضادات الحيوية والمسكنات
البسيطة.


أواسط الحمل
أما شهور الحمل الوسطى، فتمتاز عادة بقلة الأعراض
المؤلمة في مجمل الحمل، وإن كان من الممكن أن تعاني السيدة من بقاء بعض
الأعراض السابقة، أو ظهور أعراض جديدة متمثلة في آلام العمود الفقري التي
تمتد من الظهر حتى منطقة العصعص، والناتجة غالبا عن ضعف بعضلات الظهر،
ونقص نسبي بمستوى الكالسيوم، وتهدل عضلات البطن الأمامية، وبخاصة في حالات
الحمل المتكرر.


وينتج عن زيادة وزن الجسم نتيجة
الحمل في هذه الفترة، اختلال في مستويات توزيع الاتزان العمودي للجسم،
والذي تتحمل عبئه عضلات الظهر أكثر من الفقرات القطنية وما بينها من
غضاريف.


وفي حالة ضعف هذه العضلات، يتم التحميل بصورة أكثر على الفقرات التي تضغط بدورها على الغضاريف، فيؤدي ذلك إلى آلام الظهر.

كما يساعد نقص الكالسيوم على
تزايد هذه الآلام نتيجة سحب الجنين لمستويات عالية من الكالسيوم من دماء
الأم الحامل، وهو ما يؤدي إلى انسحاب الكالسيوم من العظام إلى دماء الأم
لتعويض ذلك النقص، وبالتالي ضعف العظام.


أما عضلات
البطن الضعيفة، فهي تؤدي إلى بروز الرحم إلى الأمام، فيزيد انحناء الظهر
إلى الخلف كرد فعل وقائي لمنع السقوط، وهو ما يزيد من التحميل على الفقرات
والغضاريف.


وأفضل تعامل مع هذه الأعراض هو
الوقاية المسبقة على الحمل عن طريق الرياضة والمحافظة على اللياقة
البدنية، أما في حال وجودها بالفعل، فيتم التغلب عليها عن طريق تعليم
السيدة للأسلوب الأمثل لموازنة الجسم أثناء الوقوف أو الجلوس أو المشي، مع
إجراء بعض التمرينات التي تقوم بتقوية العضلات المسؤولة دونما ضغط على
الرحم أو رفع ضغط البطن.


وقد يلجأ الطبيب إلى استخدام بعض
المسكنات البسيطة، أو نصح المريضة بالراحة في الفراش لفترات أطول من
المعتاد، مع ملاحظة المداومة على تمارين حركة الساقين خشية حدوث جلطات
الأوردة.


نمط آخر من أنماط الآلام التي قد
تحدث في هذه الفترة، هو التقلصات الرحمية المبكرة (الطلق المبكر)، وهو من
أخطر الأعراض التي قد تصيب المرأة الحامل وقد يترسب في الإجهاض أو الولادة
المبكرة.


وتتركز الآلام في هذه الحالة في منطقة أسفل البطن وتمتد إلى منطقة العانة والعجان وأعلى الفخذ، أو تنتشر في أسفل الظهر.

وعادة ما يلجأ الطبيب في مثل تلك
الحالات إلى استخدام مثبتات الحمل أو العقاقير المثبطة لانقباض الرحم،
تبعا لتوقيت ظهور تلك الانقباضات.


مرحلة الحمل الأخيرة
أما الشهور الثلاثة الأخيرة للحمل، فتكثر فيها الآلام
المتعلقة بكبر حجم الجنين وضغطه على محتويات البطن والحوض من أعضاء. ومن
ذلك التبول المتكرر، بعيدا عن الإصابة بالسكري، وهو ناجم عن انضغاط
المثانة وقلة الحيز المتاح فيها لتجمع البول وتغير وضعها التشريحي بعض
الشيء، إذ تنحرف قليلا إلى الخلف في نهاية الحمل، ما يؤدي إلى انخفاض
الجزء الحساس لكمية البول، وهو ما يعني أن كمية قليلة جدا من البول قد
تتسبب في شعور حاد بامتلائها.


كما قد ينتاب المرأة شعور بالخفقان الزائد أو ضيق النفس، وهي أمور ناجمة عن ضغط الحجاب الحاجز على القلب والرئتين.

وقد تعاود أعراض الحموضة في
المعدة ظهورها، نتيجة لضغط الرحم على أسفل المعدة مما يقلص من حجمها، إلى
جانب ارتفاع جزئها العلوي فوق الحجاب الحاجز، وبخاصة في حالة ضعف عضلات
الأخير، وهو ما يؤدي إلى خروج الأحماض إلى أنبوب المريء.


ومن
الأوجاع المعتادة في هذه الفترة، هي الآلام الناجمة عن ركلات الجنين داخل
الرحم، وتكون في مجملها محتملة، كما أنها مؤشر جيد على صحة الجنين وحيويته.


ولكن تجدر الإشارة إلى أن
الركلات العصبية المتتابعة قد تشير إلى عدم راحة الجنين، نتيجة لوضع خاطئ
في جلسة أو نوم الأم، كما أنها قد تكون مؤشر لبداية نقص السكر أو الأكسجين
الذاهبين عبر المشيمة للجنين، ويجب على الأم أن تغير من وضعية جلوسها أو
نومها فور الشعور بتلك الأعراض، وتناول مقدار من المواد السكرية سريعة
الهضم، في حال عدم إصابتها بمرض السكري المرتبط بالحمل.


كما أن المرأة تبدأ في الشعور
بانقباضات الرحم الطبيعية في الشهور الثلاثة الأخيرة، وتكون هذه
الانقباضات في مجملها ضعيفة ومتباعدة (يفصل ما بينها نحو ساعة أو أكثر)،
كما إنها لا تكون مصاحبة بأي إفرازات أو نزيف مهبلي.


وتزداد
كثافة وقوة هذه الانقباضات كلما تقدمت المرأة في حملها حتى تصل إلى مرحلة
الولادة. وقد تحتاج المرأة في هذه الحالة لاستخدام بعض مسكنات الألم
المتوسطة، والتي لا تمنع الشعور الكامل بالانقباضات خشية دخول المرأة إلى
مراحل متقدمة في الولادة دون أن تشعر بذلك.


ويسمح في الشهور الستة الأخيرة
للحمل بتناول بدائل الكالسيوم وبعض الفيتامينات الأخرى، لتعويض الأم عما
تفقده لمصلحة الجنين من هذه العناصر. كما يسمح بتناول بعض المسكنات أو
مثبطات الانقباض الرحمي أو بعض فئات المضادات الحيوية تبعا للحالة.




وتبدأ مرحلة الولادة الطبيعية في
أي وقت ابتداء من الأسبوع الثامن والثلاثين وحتى الثاني والأربعين (بمتوسط
40 أسبوعا)، وفيها تعاني السيدة من آلام المخاض التي تتشكل في صورة تقلصات
متتالية للرحم يفصل ما بين كل تقلص وآخر ما يقل عن الدقائق الخمس، ويصاحب
هذه الانقباضات نزول إفرازات مخاطية كثيفة مدممة (علامة الولادة)،