العمرة في
رمضان الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فإن كان للعمرة فضل عظيم فإن فضلها في رمضان يُضاعف، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من حجة الوداع قال لامرأة من الأنصار تُدعى أم سنان: "ما منعك أن تحجي معنا"؟ قالت: أبو فلان تقصد زوجها له ناضحان حج على أحدهما، والآخر نستقي عليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : إذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة معي". {رواه البخاري ومسلم}، فيا له من فوز عظيم وأجر عميم أن يكون من اعتمر في رمضان كمن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم . ونوضح في هذا المقال:
1 فضل العمرة. 2 فقه العمرة.
3 أخطاء المعتمرين.
فضل العمرةعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". {رواه البخاري}
وقد اختلف العلماء في المراد بالذنوب التي تكفرها العمرة، فذهب ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر، وذهب البعض إلى تعميم ذلك، يقول الحافظ ابن حجر: وتكفير العمرة للذنوب مقيد بزمانها، وتكفير الاجتناب عام لعمر العبد كله فتغايرا، يقصد رحمه الله أن تكفير العمرة للذنوب في زمن القيام بها فقط أما اجتناب الكبائر فيكفر الذنوب، طيلة العمر، ومن فضل العمرة أنها تنفي الفقر كما تنفي الذنوب وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعة بينهما تنفي الذنوب بالمغفرة كما ينفي الكير خبث الحديد". {رواه الترمذي} وفي الحديث استحباب متابعة الحج والعمرة، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمرات؛ عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون وعمرة في العام التالي في ذي القعدة حيث صالح المشركين، وعمرة الجعرانة وفيها وزع صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، وعمرة مع حجته صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد، كما قال ابن الجوزي رحمه الله. ومن هنا كأن للعمرة في رمضان ثوابٌ مضاعف، وقال ابن بطال: إن ثواب العمرة في رمضان يعدل ثواب الحج لكنه لا يقوم مقامه في إسقاط الفرض.
وهنا اشكال أجاب عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا في أشهر الحج وقد ثبت فضل العمرة في رمضان، فأيهما أفضل؟ فقال: الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغيره صلى الله عليه وسلم أفضل أما ما صنعه فهو أفضل في حقه صلى الله عليه وسلم لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه، فأراد الرد عليهم بالقول والفعل، وقال البعض: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل العمل وهو يحب أن يعمله خشية إن يفرض على الأمة شفقةً ورحمةً على أمته صلى الله عليه وسلم .
فقه العمرة1 يستحب لمن أراد العمرة إذا وصل إلى الميقات المكاني لبلده أن يغتسل ويتنظف، وتفعل المرأة كذلك إذا كانت حائضًا أو نفساء إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل، ويتطيب الرجل في بدنه دون ملابس إحرامه فإن لم يتيسر الغسل في الميقات فلا حرج في ذلك.2 يتجرد الرجل من جميع ملابسه المخيطة ويلبس الإزار والرداء ويكشف رأسه، والمرأة في ملابسها التي ليس فيها زينة ولا شهرة.
3 الإحرام هو نية الدخول في النسك بالقلب ويقول بلسانه "لبيك عمرة"، فإن خاف مرضا أو عدوًا فله أن يشترط بقوله "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" لما رواه البخاري ومسلم أن ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال صلى الله عليه وسلم : "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني"، ثم يلبي قائلا: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" ويستحب له الإكثار من التلبية والذكر والدعاء، فإذا وصل إلى المسجد الحرام قدم رجله اليمنى قائلا "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك". كما يفعل عند دخول أي مسجد.
4 إذا وصل المعتمر إلى الكعبة قطع التلبية، وقصد الحجر الأسود فاستقبله واستلمه إن تيسر له ذلك، وتقبيل الحجر واستلامه سنة فلا يرتكب حرامًا لأجل سنة فليس له مزاحمة الناس وإيذاؤهم ويشرع عند استلام الحجر أن يقول: بسم الله والله أكبر، ويبدأ الطواف شريطة أن يكون على طهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، ويسن له الاضطباع وهو كشف الكتف الأيمن في جميع الأشواط من طواف العمرة، والرمل وهو إسراع الخطى في الأشواط الثلاثة الأولى، وعند محاذاته للركن اليماني يستلمه إن تيسر له ذلك ولا يسن تقبيله، ولا الإشارة إليه عند عدم التمكن من استلامه، وليس للطواف دعاء مخصوص ولا ذكر مخصوص إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول
: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار {البقرة:201}، فإذا انتهى من طوافه رد الرداء على كتفه الأيمن وصلى ركعتين خلف المقام إن تيسر له ذلك وإلا ففي أي موضع من المسجد يقرأ في الأولى "قل يا أيها الكافرون" وفي الثانية "قل هو الله أحد"، ثم يستلم الحجر إن تيسر له.
ويرتقي المعتمر الصفا قارئًا:
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم {البقرة:158} وذلك عند بداية السعي فقط، ويستحب له استقبال القبلة وهو على الصفا فيحمد الله ويكبره قائلا: "لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".
ويستحب له الإسراع والهرولة في ما بين العلمين الأخضرين والمشي فيما سوى ذلك مكثرًا من الذكر والدعاء مع ملاحظة أن السعي لا يشترط له الطهارة كالطواف.
فإذا أتم سبعة أشواط تحلل بالحلق أو التقصير والمرأة تأخذ من شعرها قدر أنملة وبهذا يحل للمعتمر ما حرم عليه بإحرامه.
)
أخطاء المعتمرين1 سفر المرأة للعمرة بدون محرم مما عمت به البلوى في هذه الأيام وهذا الفعل يخالف الشرع، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يترك الجهاد ويحج مع امرأته، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال صلى الله عليه وسلم : "أخرج معها". {رواه البخاري ومسلم} وعلى هذا بوب الإمام البخاري في صحيحه باب حج النساء.
2 أن البعض ليس عنده قدرة مادية على نفقات العمرة ومع هذا يستدين ويكلف نفسه فوق طاقتها، فيكلف نفسه ما لم يكلفه الله به.
3 أن بعض المعتمرين يمر على ميقات بلده المكاني دون إحرام وهذا يترتب عليه دم كفارة لذلك المحظور.
4 أن بعضهم يترك الواجبات والأركان أحيانًا لأجل مستحبات ونوافل وسنن.
5 وضع المرأة الطيب على ملابسها وهي محرمة لا يجوز لأن المرأة نهيت عن التطيب حال خروجها من البيت.
والله من وراء القصد