عين الحياة
عدد المساهمات : 2042 نقاط : 31197 تاريخ التسجيل : 15/11/2009 العمر : 40
| موضوع: قصة هود عليه السلام ( الجزء الثاني ) الخميس فبراير 18, 2010 2:52 pm | |
| قصة هود عليه السلام ( الجزء الثاني )
وقال تعالى:
{ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } (سورة الأحقاف:22ـ25) .
وقد ذكر الله تعالى خبر إهلاكهم في غير ما آية كما تقدم مجملاً ومفصلاً، وكقوله:
{ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } (سورة الأعراف:72) .
وكقوله:
{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } (سورة هود:58ـ60) .
وكقوله:
{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } (سورة المؤمنون:41) .
وقال تعالى:
{ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } (سورة الشعراء:139ـ140) .
وأما تفصيل إهلاكهم فكما قال تعالى:
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة الأحقاف:24) .
كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب، أنهم كانوا ممحين مسنتين، فطلبوا السقيا؛ فرأوا عارضاً من السماء وظنوه سقيا رحمة، فإذا هو سقيا عذاب، ولهذا قال تعالى: (بل هو ما استعجلتم به) أي: من وقوع العذاب، وهو قولهم: (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)، ومثلها في الأعراف.
وقد ذكر المفسرون وغيرهم هاهنا الخبر الذي ذكره الإمام محمد بن إسحاق بن يسار قال: فلما أبوا إلا الكفر بالله عز وجل، أمسك عنهم القطر ثلاث سنين، حتى جهدهم ذلك، قال وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان فطلبوا من الله الفرج منه إنما يطلبونه بحرمة ومكان بيته، وكان معروفاً عند أهل ذلك الزمان، وبه العماليق مقيمون، وهم من سلالة عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيدهم إذ ذاك رجلاً يقال له معاوية بن بكر، وكانت أمة من قوم عاد واسمها جلهذه ابنة الخيبري.
قال: فبعث عاد وفداً قريباً من سبعين رجلاً ليستسقوا لهم عند الحرم، فمروا بمعاوية ابن بكر بظاهر مكة، فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهراً، يشربون الخمر، وتغنيهم الجرادتان، قينتان لمعاوية، وكانوا قد وصلوا إليه في شهر.
فلما طال مقامهم عنده، وأخذته شفقة على قومه واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف، عمل شعراً يعرض لهم فيه بالانصراف، وأمر القينتين أن تغنيهم به فقال:
ألا يا قيل ويحك وقم فهبنم فيسقي أرض عاد إن عادا من العطش الشديد فليس نرجو وقد كانت نساؤهم بخير وإن الوحش يأتيهم جهاراً وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم فقبح وفدكم من وفد قوم لعل الله يصحبنا غماما قد أمسوا لا يبينون الكلاما به الشيخ الكبير ولا الغلاما فقد أمست نساؤهم أيامي ولا يخشى لعاد سهاماً نهاركم وليلكم تماما ولا لقوا التحية والسلاما
قال فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له، فنهضوا إلي الحرم ودعوا لقومهم، فدعا داعيهم، وهو قيل بن عتر، فأنشأ الله سحابات ثلاث: بيضاء، وحمراء، وسوداء، ثم ناداه مناد من السماء اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب، فقال: اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء، فناداه مناد: اخترت رماد رمدداً لا تبقى من عاد أحداً، لا والداً تترك ولا ولداً، إلا جعلته همداً؛ إلا بني اللوذية الهمدا قال: وهم بطن من عاد كانوا مقيمين بمكة، فلم يصبهم ما أصاب قومهم. قال: ومن بقى من أنسابهم وأعقابهم هم عاد الآخرة.
قال: وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بن عتر بما فيها من النقمة إلي عاد حتى تخرج عليهم من واد يقال له المغيث، فلما رأوها استبشروا، وقالوا: هذا عارض ممطرنا فيقول تعالى:
{ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } ( سورة الأحقاف:22ـ25) .
فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها: "مهد" فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت، فلما أفاقت قالوا: ما رأيت يا مهد؟ قالت: ريحاً فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، والحسوم: الدائمة، فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك.
قال: واعتزل هود عليه السلام ـ فيما ذكر لي ـ في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين ما يصيبهم إلا ما تلين عليهم الجلود، وتلذ الأنفس، وإنها لتمر على عاد بالظعن فيما بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة، وذكر تمام القصة.
وقد روي الإمام احمد حديثاً في مسنده يشبه هذه القصة فقال: حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي، حدثنا عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن الحارث ـ وهو ابن حسان ـ ويقال ابن يزيد البكري، قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمررت بالربذة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقال لي: يا عبد الله إن لي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟
قال: فحملتها، فأتيت المدينة، فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً.
قال: فجلست، قال: فدخل منزله ـ أو قال رحله ـ فاستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت فسلمت، فقال: "هل كان بينكم وبين بني تميم شيء؟" فقلت: نعم، وكانت لنا الدائرة عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك وهاهي بالباب، فأذن لها فدخلت، فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزاً، فاجعل الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت، وقالت: يا رسول الله فإلي أين تضطر مضطرك؟ قال فقلت: إن مثلي ما قال الأول: معزى حملت حتفها، حملت هذه الأمة ولا أشعر أنها كانت لي خصماً، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد، قال: هيه وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث مني ولكن يستطعمه.
قلت: إن عاداً قحطوا فبعثوا وافداً لهم يقال له: قيل، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما: الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلي جبل تهامة، قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلي مريض فأداويه، ولا إلي أسير فأفاديه، اللهم أسق عاداً ما كنت تسقيه.
فمرت به سحابات سود فنودي منها: اختر، فأومأ إلي سحابة منها سوداء فنودي: خدها رماداً رمدداً، لا تبقى من عاد أحداً، قال: فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا كقدر ما تجري في خاتمي هذا من الريح حتى هلكوا.
قال ابن وائل: وصدق، فكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد. وهكذا رواه الترميذي عن عبد بن حميد، عن زيد بن الحباب به. ورواه النسائي من حيث سلام أبي المنذر، عن عاصم بن بهدلة، ومن طريقة رواه ابن ماجه. وهكذا أورد هذا الحديث وهذه القصة عند تفسير هذه القصة غير واحد من المفسرين كابن جرير وغيره.
وقد يكون هذا السياق لإهلاك عاد الآخرة، فإن فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل، ونزلت جرهم عندهم كما سيأتي، وعاد الأولى قبل الخليل، وفيه ذكر معاوية بن بكر وشعره. وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى، ولا يشبه كلام المتقدمين. وفيه أن في تلك السحابة شرر النار، وعاد الأولى إنما هلكوا بريح صرصر.
وقد قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من أئمة التابعين هي: الباردة، والعاتية: الشديدة الهبوب.
{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } (سورة الحاقة:7) .
أي: كوامل متتابعات قيل: كان أولها الجمعة، وقيل: الأربعاء.
{ فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } (سورة الحاقة:7) .
شبههم بأعجاز النخل التي لا رءوس لها؛ وذلك لأن الريح تجئ إلي أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة بلا رأس، كما قال تعالى:
{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ }( سورة القمر:19) .
أي: في يوم نحس عليهم، مستمر عذابه عليهم.
{ تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } (سورة القمر:20) .
ومن قال إن اليوم النحس المستمر هو يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم فقد أخطأ وخالف القرآن، فإنه قال تعالى في الآية الأخرى:
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } (سورة فصلت:16) .
ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات، فلو كانت نحسات في أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة في الثمانية مشئومة، وهذا لا يقوله أحد، وإنما المراد في أيام نحسات؛ أي: عليهم.
وقال تعالى:
{ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } (سورة الذاريات:41) .
أي: التي لا تنتج خيراً، فإن الريح المفردة لا تثير سحاباً ولا تلقح شجراً، بل هي عقيم لا نتيجة خير لها، ولهذا قال: { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } (سورة الذاريات:42) .
أي: كالشيء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالكلية.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور"
وأما قوله تعالى:
{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (سورة الأحقاف:21) .
فالظاهر أن عاداً هذه هي عاد الأولى، فإن سياقها شبيه بسياق قوم هود وهم الأولى، ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم عاد الثانية، ويدل عليه ما ذكرنا وما سيأتي من الحديث عن عائشة رضي الله عنها. وأما قوله:
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } (سورة الأحقاف:24) .
فإن عاداً لما رأوا هذا العارض، وهو الناشئ في الجو كالسحاب ظنوه سحاب مطر، فإذا هو سحاب عذاب، اعتقدوه رحمة فإذا هو نقمة، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر.
قال تعالى: (بل هو ما استعجلتم به) أي: من العذاب، ثم فسره بقول:
{ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة الأحقاف:24) .
يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوب؛ التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية فلم تبق منهم أحداً، بل تبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم، وتخرجهم، وتهلكهم، وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة، فكما منوا بشدتهم وبقوتهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ سلط الله عليهم الذي هو أشد منهم قوة، وأقدر عليهم، وهو الريح العقيم.
ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة، ظن من بقى منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم وغياث لمن بقى منهم، فأرسلها الله عليهم شرراً وناراً، كما ذكره غير واحد. ويكون هذا كما أصاب أصحاب الظلة من أهل مدين، وجمع لهم بين الريح الباردة وعذاب النار، وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة، مع الصيحة التي ذكرها في سورة "قد أفلح المؤمنون"، والله أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن الضريس، وحدثنا ابن فضيل عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض، فما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها: (قالوا هذا عارض ممطرنا) فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة"
وقد رواه الطبري عن عبدان بن احمد، عن إسماعيل بن زكريا الكوفي، عن أبي مالك عن مسلم الملائي، عن مجاهد وسعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح الله على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم، ثم أرسلت عليهم البدو إلي الحضر، فلما رآها أهل الحضر (قالوا هذا عارض ممطرنا) مستقبل أوديتنا، وكان أهل البوادي فيها، فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا"
قال: عتت على خزانها حتى خرجت من خلال الأبواب، قلت: وقال غيره: خرجت بغير حساب. والمقصود أن هذا الحديث في رفعة نظر، ثم قد اختلف فيه عل مسلم الملائي، وفيه نوع اضطراب، والله أعلم. وظاهر الآية أنهم رأوا عارضاً، والمفهوم منه لمعة السحاب، كما دل عليه حديث الحارث بن حسان البكري؛ إن جعلناه مفسراً لهذه القصة.
وأصرح منه في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال: حديثنا أبو الطاهر، أنبأنا ابن وهب، قال: سمعت ابن جريج يحدثنا عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به" قالت: وإذا غميت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرى عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألته، فقال: "لعله يا عائشة كما قال قوم عاد:
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } (سورة الأحقاف:24) .
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، من حديث ابن جريج
طريق أخرى:
قال الإمام احمد: حدثنا هارون بن معروف، أنبأنا عبد الله بن وهب، أنبأنا عمرو وهو أن الحارث، أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار، عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً قط، حتى أرى منه لهواته، إنما كان يبتسم، وقالت: كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه، قالت: يا رسول الله: إن الناس إذا رأو الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيها المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب! قد عذب قوم عاد بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا"
فهذا الحديث كالصريح في تغاير القصتين كما أشرنا إليه أولاً. وعلى هذا تكون القصة المذكورة في سورة الأحقاف خبراً عن قوم عاد الثانية، ويكون بقية السياقات في القرآن خبراً عن عاد الأولى، والله أعلم بالصواب. وهكذا رواه مسلم عن هارون بن معروف، وأخرجه البخاري، وأبو داود من حديث ابن وهب.
وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه ذكر صفة قبر هود عليه السلام في بلاد اليمن. وذكر آخرون أنه بدمشق، وبجامعها مكان في حائطه القبلي يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام.
تقبلـــــــــوا مني -------------------- أخـوكم في الله // أبــو إيـــــــــــاد | |
|
عازفه الاوتار
عدد المساهمات : 1454 نقاط : 30011 تاريخ التسجيل : 24/01/2010
| موضوع: رد: قصة هود عليه السلام ( الجزء الثاني ) الإثنين نوفمبر 29, 2010 2:43 am | |
| | |
|