الرسالة الأخيرة

الرسالة الأخيرة



إليك أكتب..يا حبيب العمر..
يا أول لحن في حياتي عانقته الروح و سماه القلب أول حب..
أليك أكتب..بدموعي..يا من جعلتني أعرف معنى خفقان القلب بين الضلوع..
معنى اضطراب الروح و ارتعاش الحس..
بدمي..إليك أكتب يا من علمني كيف أحتضن الحياة و أسير على الدرب و في القلب تفاؤل و أمل..
يا من رأت عيناي بقلبه عشق الحياة و حب الزمن..
إليك أكتب يا من رأى قلبي بعينيه شعاع الحب وبريق الأمل..
بروحي..بدموعي...بدمي.. إليك أكتب..بالنفس الضئيل الذي بقي يتردد بين أحشائي
في فتور...بالقلب الذي مزقت شرايينه أظافر العناد و الحقد و التصلب..
بالروح التي حطّمت أسوارها التي بنيت قذائف الغدر و الجبروت و التعنت..
إليك أشكو أوجاع قلبي..إليك أشكو أحزان الذاكرة و صمت الروح الصبور..
ماذا أقول و هذه دموعي تنسكب حارة على الخد لتحرق ما تبقى فيه من نضارة
و بريق ؟...ماذا أقول و هذه الآهة تمزق أحشائي لتحرق ما تبقى من ضلوع ؟..
ماذا أقول و الروح تطلق زفرات مشتعلة تريد معانقة هذا الفضاء الساكن المتأفف
الذي أحرقت جوانبه إشعاعات شمس ملتهبة منصهرة في روح محمومة تزفر متأوهة
في شوق و حب و حنين..شوق ملتهب.. و حنين مشتعل..و حب عنيف..
ماذا أقول يا من كنت حبيب العمر .. و ما تزال ذكرى عنيفة يهتز لها الكيان..
يضطرب لذكراها القلب و يرتعش الحس..فتهفو الروح..يتأوه القلب..
و يطلق الصدر أهات الأسى و اللوعة معانقا خيوط الحسرة التي تدمي الشعور..؟
ماذا أقول وأنا أكتشف رواية الغدر التي حطمت قلبي الحزين ؟..جعلتني في جحيم..
بين يأس و قنوط.. بين شك و حيرة و ظنون .. بين آه و حسرة و شجون..
جعلتني أسكب الدمع الحزين..أندب الحظ السجين..بين أحضان الهموم..
حبيب العمر يا رمز الأمل..
كيف أصف لك أحزان الروح وهي تواجه غدر الزمن ؟..
تحتضن الأسى و تسكب العبرات في خضوع و ألم؟
لقد جفت الكلمات..قطعت صلتها بي رمتني بعيدا عن شاطىء اللغة ..
حتى صرت كتلة من ألم لا تعرف أية كلمة تستطيع أن تعبر بها عما بها...
ما كنت أحسبني أتألم بمقدار ما تألمت..
ما كنت أحسبني أبكي بمقدار ما بكيت..
ما كنت أحسبني أفقد صوابي و أعيش معلقة بخيط من ألم..
بحبل من عذاب.. بسلسلة من مصائب..
ما كنت أحسبني أطعن قلبا علمني معنى الحياة ..
أغرز أظافر الحقد و الغدر في صدر علمني معنىالعشق و الحب و الحنين..
آه...آه...ثم آه..
إنني أنهار يوما بعد يوم..و دقيقة بعد أخرى..أحس بالذوبان يهاجم الروح الكيان...
يمزق الأحشاء و يعصر القلب المحطم..أحس بالندم يمزق صدري...
يكسر الضلوع ويدمي الضمير..يقيد الروح...يرميها في سجن حالك السواد..مظلم حقير..
لقد صرت روحا محطمة لا تستطيع أية قوة أن تنتشلها من مخالب العذاب و الألم..
لقد صرت فؤادا محطما أبلته الخطوب..غدر به الزمن و سخرت منه الحياة..
احتقرته إلى حد الزهد..فرمته في ركن مهمل من سلة مهملات الأيام..
أصبحت سلسلة من عظام بالية ينفر منها دود الأرض..
يرفض التراب احتضانها لما تحمله من روائح اغدر و الحزن و الألم..
يا حبيب العمر... يا ضحية لحظة حقد و عناد و تكبر..يا شهيد التصلب و التجبر..
حبيب العمر يا رمز التصدي..أحس أن النور الذي كان ينير لي درب الحياة قد بدأ
في الاختفاء.. بدأ الظلام يغمرني و يغزو الكيان..يسيطر على كل جارحة
من جوارحي المتعبة...
لقد انتهيت..أوشكت على الرحيل إلى عالم التيه و الضياع..عالم النسيان..
لم يعد يهمني أن أحس أني أتألم... لم يعد يخيفني الألم.. ولا حتى العذاب..
لقد طبعت نفسي و صيغت كما شاء الدهر..و لا أظن أنه سيضاف إلى ما بي من جديد..
لم يعد جسدي يعبأ بأنواع العذاب..لقد مر بكل ظروف الألم و الحسرة و الندم..
لم تعد نفسي تخاف فقدان ما تملك..لأنها لم تعد تملك أي شيء..
لقد ضاع الشعور و الإحساس..
لم يبق لي سوى نفس يتردد في فتور الحياة..لم أعد أملك سوى تنهدات
عميقة مشتعلة.. تردد في صدر ملأته الحياة جراحا فاعتنق الكآبة و الضياع..
لم أعد أملك سوى اسم حفرته المصائب على ذاكرة الألم.. غير ذكرى حافلة بالعذاب..
و الندم..لم أعد أملك غير عذاب .. فوق شفاه تبتسم..
يا مالك القلب ...يا أول حب..
أحس أن نهايتي قد قربت..أحس أن القلب قد أعيته الرحلة.. وأن الضمير قد أعياه
وخز أشواك الندم.. فهل من لحظة حب و أمل ؟.. أرى فيها طيف ابتسامتك الصريحة...
أحس فيها بعمق نظراتك التي تبعد عن قلبي طيف الألم ؟...