سالم مولى أبي حذيفة
يقول النبي علية الصلاة والسلام الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة
كان يتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار والعجيب أن هذا الرجل اتقن تلاوة الكتاب الذي انزل قرآنا عربيا غير ذي عوج ولم يكن عربياً
فمن أرض فارس جاء سالم .. من اصطخر , دفعته المقادير ليصبح رقيقاً في جزيرة العرب يتربي بين أهلها ويستقيم لسانه بلغتها
كتب الله تعالى عليه الرق والعبودية .. وكان ذلك الرق خيراً له كما يقول تعالى (وعسى أن تكرهوا شياً وهو خيرٌ لكم)
فقد تربي بمكة وسمع خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من المسارعين والسابقين الأولين وكان من تمام فضل الله عليه أن مولاته وزوجها أسلما أيضا
وكانت مولاته امرأة من الأنصار يقال لها ثبيتة بنت يعار الأنصارية
وزوجها رجل شريف من قريش هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان سالم بمنزلة الولد بينهما
فلما أن سرى الإسلام حباً وعدلاً وتسامحاً في القلوب التي رضيت بالله رباً وبمحمدً عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً اعتقت ثبيتة مولاها سالماً وحررته لوجة الله
فتنباه أبو حذيفة وألحقه بنسبه يدعى بسالم بن أبي حذيفة ثم زوجه بابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة
وهكذا عاش سالم عيشة الاحرار والابرار يسمو به خلقه وحسن خصاله فكان من فضلاء الصحابة وكبارهم قدراً وشرفاً ومكانة
ومضت سنوات الدعوة الأولى وسالم في كنف أسرته المسلمة ينعم بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصبر مع أبي حذيفة على أذى قريش وكيدها فأبو
حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة الذي كان من كبار سادات قريش المجاهرين بالظلم والإيذاء وتحمل سالم رضى الله عنه نصيبه من ذلك
لكن الله تعالى آواه إلى ظلال القرآن فصارت الآيات واحة يأوي إليها من هجير الشرك وقسوة التعذيب فكان رضى الله عنه يمضى الساعات الطويلة في رحاب كتاب
الله يتلو ويحفظ .. حتى إذا اذن الله بالهجرة وتنورت المدينة بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقال الصحابة الكرام إلى هذا الوطن الجديد , كان سالم رضى
الله عنه يؤم المسليمن ويقرأ عليهم القرآن في مسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام
وتآخي أبو عبيدة بن الجراح وسالم رضى الله عنهما وظلت أخوة الإسلام ورابطة العقيدة فوق روابط الدم والنسب.
وشهد سالم رضى الله عنه غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة فكان من الذين قال في حقهم النبي صلى الله عليه وسلم
لعل الله اطلع الى اهل بدر, فقالوا اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم
ثم جاءت السنة الثالثة للهجرة وخرجت قريش تجتر مرارة الحقد وتريد الانتقام والتقى الجمعان في غزوة احد وخالف الرماة أمر نبيهم وقائدهم عليه الصلاة
والسلام , فتركوا اماكنم وانكشف ظهر المسلمين فانقض خيالة المشركين عليهم يعملون فيهم قتيلا وجرحاً ,هنالك هرب من هرب وثبت من ثبت وكان سالم مع
الثابتين رضى الله عنهم
وكان من فضل الله عليه أنه كان قرب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم لما تشتتت صفوف المسلمين وعندما شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت
رباعيته عليه الصلاة والسلام جعل سالم رضى الله عنه يمسح الدم عن وجهه الشريف ويغسله , والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( كيف يفلح قوم خضبوا وجه
نبيهم وهو يدعوهم الى الله تعالى ؟)
ومضت السنة الثالتة والرابعة وسالم مع المصطفي عليه الصلاة والسلام في مواطن الجهاد او جلسات العلم
يعرفه الصحابة بسالم بن أبي حذيفة حتى أنزل الله تعالى على نبيه قرآنه الكريم مشرعاً إبطال التبني القديم وآمراً برد كل متبني إلى نسبه القويم بقوله عز وجل (
ادعوهم لأبائهم)
ذلك أن الإسلام دستور الحق والصدق يأبي ان تختلط الأنساب وتضيع الحقوق
وكان أول الطائعين إمام المرسلين الذي رد زيداً متبناه إلى اسم أبيه فصار يدعى
زيد بن حارثة بعد ان كان يعرف بزيد بن محمد صلى الله عليه وسلم
أما سالم رضى الله عنه ؟؟ فإلى من سيرد؟؟
وهو الذي لا يعرف له أب ولا أم
وصار بعضهم يسمونه سالم من الصالحين ولكن أولى الناس بسالم أبو حذيفة فصار يعرف بسالم مولى أبي حذيفة
وكان انتسابه الاول للقرآن لأنه كان بحق من أهل القرآن الذين وصفهم النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)
ولقد كان رضى الله عنه بما وصفه المؤرخون بمودع الكتاب ناطقاً وفي العبادة مخلصاً واثقاً
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يأخذوا القرأن من أربعة
ابن مسعود , وسالم مولى أبي حذيفة , وأبي بن كعب , ومعاذ بن جبل
فأولئك هم اساتذة القرآن على عهد الرسول علية الصلاة والسلام بل هم اساتذة الأساتذة بعد نبيهم الكريم عليه افضل الصلاة والسلام وهم شيوخ كل من تعلم
القرآن وعلمه من الصحابة والتابعين ومن أخذ عنهم إلى يوم الدين
كان سالم رضى الله عنه يعيش مع القرآن ويستعذب التلاوة وكانت لتلاوته حلاوة يأسر من يسمعها وذات يوم كان قائما في المسجد يصلى
فسمعته السيدة عائشة رضى الله عنها فجلست تستمع إليه حتى استبطأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما سألها عن السبب الذي حبسها أخبرته ان في
المسجد لأحسن من سمعت صوتاً بالقرآن
فأسرع صلى الله عليه وسلم وأخذ رداءه ليسمع هذا الصوت فلما وجد انه سالم مولى أبي حذيفة قال
الحمدلله الذي جعل في امتى مثلك
ولكن سالماً رضى الله عنه لم يكن يلزم مسجده ومصلاه بل شهد المواقع كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد الفتح الأعظم فتح مكة الذي كان سنة ثمان للهجرة شهد السرايا التى بعثها النبي صلى الله عليه وسلم الى قبائل حول مكة تدعوها الى الله عز وجل
وكان ممن بعث خالد بن الوليد رضى الله عنه على رأس السرية إلى بنى جذيمة بأسفل مكة وانضم سالم رضى الله عنه الى هذه السرية وحفظ عن النبي صلى الله
عليه وسلم وصيته ولم ينس أنهم خرجوا دعاة لامقاتلين
وكانو نحو ثلاثمئة وخمسين رجلاً
لكن الأمور سارت على غير مايرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالقوا حملوا السلاح في وجه المسلمين ولم يعطهم خالد رضى الله عنه الفرصة الكافية وعندما أظهر بعضهم الإسلام صاروا يقولون
صبأنا صبأنا .. ولم يقولوا أسلمنا فقاتلهم خالد رضى الله عنه وأصاب منهم إذ كان يظنهم لازالوا مشركين ووصلت الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتألم لما حدث .. وقال هل انكر عليه احد ؟؟
فقال الرجل الذي جاء إليه الخبر نعم ووصف له رجلين اعترضا على فعل خالد كان الأول عبد الله بن عمر بن الخطاب وكان الثاني سالما مولى ابي حذيفة رضى الله
عنهم اجمعين
أما عبد الله فزجره خالد واسكته واما سالم فأنكر عليه فعله وراجعه فاشتدت مراجعتهما
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب الى بني جذيمة فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال وقال عليه السلام ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع
خالد بن الوليد))
لم يخش سالم رضى الله عنه من قول الحق فهكذا علمه الإسلام وخالد رضى الله عنه بشر يخطيء ويصيب فلم يمنع سالما من مراجعته أن كان قائداً وإنما القائد
والجنود جميعا شركاء في المهمة التى بعثهم بها نبيهم الكريم عليه الصلاة والسلام
ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم واشتعلت حروب الردة
سارع سالم مع مولاه أبي حذيفة رضى الله عنهما لقتال مسيلمة الكذاب في اليمامة وقد سجل التاريخ أن معركة اليمامة كانت من أشرس المعارك التى خاضها
المسلمون
وكان سالم رضى الله عنه حامل راية المهاجرين في ذلك اليوم الرهيب فتقدم رضى الله عنه الصفوف بقلب دخله القرآن فأخرج منه كل خووف
وعندما انحسر المسلمين وتفرقوا صاح صيحته لتجمعوا فقال:
ماهكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفر حفرة لنفسه وقام فيها يقاتل فناداه المسلمون أن دونك اللواء احفظه كيلا نهزم او نؤتى من قبلك :
فصاح بئس حامل القرآن أنا إن اتيتم من قبلى
ومضى يضرب بسيفه وانهالت عليه سيوف الشرك فقطعت يمينه فتلقى اللواء بيسراه فقطعت .. فاعتنقه وهو يقرأ
(وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وماضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين )
لقد كان رضى الله عنه يقاتل وطيف رسول الله صلى الله عليه وسلم مائل امامه
وظلت سيوف المشركين تنهال عليه حتى سقط
وبقيت الأنفاس الضعيفة تترد في صدره حتى شارفت المعركة على الانتهاء واطمأن رضى الله عنه الى النصر المبين وبينما المسلمون يتفقدون الضحايا والشهداء
كان سالم في النزع الاخير
ولم يكن يشغله إلا شيء واحد !!!!
مصير أبي حذيفة رضى الله عنه
فسألهم عنه ماذا فعل؟ فقيل له : إنه قتل
فأشار عليهم رضى الله عنه أن يضجعوه ويدنوه منه
وكانت تلك كلماته الأخيرة قبل ان يسلم الروح
وضمت الأرض الأخرين اللذين عاشا معاً واستشهدا معا وسيبعثان معاً
وبمقتل سالم نقص عدد القراء إذ قتل كثير منهم في حروب الردة مما دفع عمر بن الخطاب ليسرع الى الخليفة ابي بكر رضى الله عنه فيقنعه بضرورة جمع القرآن
من الألواح والجرائد حتى لا يذهب بذهاب حفاظه
وبعث الخليفة ابو بكر بميراث سالم إلى مولاته لتأخذه فأبت بعد ان اعتقته لله - ان تكون له وارثه او ان تعيد امجاد الجاهلية التالفة
ولما انتقلت الخلافة الى عمر بن الخطاب بعد وفاة ابي بكر رضى الله عنهما
عرض عمر عليها الميراث فرفضت ثانية فوضعت في بيت المال وعندما طعن عمر رضى الله عنه قيل له لو استخلفت من بعدك فقال:
من لى بمحب أمين
لو كان ابن الجراح حياً لاستخلفته ففيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح
ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته وإذا سألنى ربي قلت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إن سالما شديد الحب لله عز وجل
وقد سمى عمر بن الخطاب ولده سالماً حبا به وتيمناً ان يكون مثله رضى الله عنهما
فبشراك يـــاسالم .. يــامن مسحت الــدم عن وجـه الحبيب
يــامن رفعت الراية والموت قـريب
يــامن علوت بالقرآن والنسب غـريب
*((احببت ان انقل لكم هذه القصه التى أثرت فيني وكانت اول قصة بحياة الصحابي سالم مولى أبي حذيفة رضى الله عنه قرأتها ونقلتها لكم من كتاب نجوم في فلك النبوة