وسام
عدد المساهمات : 212 نقاط : 27732 تاريخ التسجيل : 12/11/2009
| موضوع: :: في السياسة والحب :: الخميس يوليو 29, 2010 6:02 pm | |
| :: في السياسة والحب ::
قد يستغرب البعض جمع هذين الموضوعين في عنوان واحد،على اعتبار أنه لا يبدو أي رابط ظاهر يجمع بينهما. ولكن في الحقيقة هناك أكثر من وجه مشترك فيما بين هذين العالمين، بالامكان إظهاره عبر مقاربة تحليلية معمقة. والاستنتاج الأولي هو أن المرتكزات الأساسية لهذين الموضوعين هي ذاتها. منها تغييب قواعد المنطق والعقل، ومنها الاعتماد على المحركات الوجدانية كالعوطف والغرائز،المتمثلة بنزعات حب الظهور، والطموح لاستملاك الآخرين، والتسلط.
والعاشق ينظر إلى محيطه من منطلق مشاعره وأحاسيسه، لا من منطلق عقله. فهو إن كان سعيداً مع حبيبه، رأى الدنيا جميلة، وإن كان تعيساً في علاقته رأى القبح كيفما اتجه. كما وأن معظم أهل السياسة غالباً ما يقيمون الناس من منطلقات محض وصولية. ففي حالة موالات الجموع وتصفيقها، يرى رجل السياسة فيها كل الحسنات والفضائل، وفي حال احجامها عن تأييده، صنفها كمعادية وكشريرة. في الحالتين يتبع التقييم سلم المعايير الذاتية، متأثراً إلى حد بعيد بالمشاعر أو المصالح الخاصة.
وفي الحب كما في السياسة ُتأخذ القرارات على شكل رهان. وإذا كان المنطق غالباً ما يؤدي في الحالات العادية إلى النتائج المرتجاة، ففي عالمي الحب والسياسة لا تصح المعادلة، لأن العاشق ورجل السياسة هما كلاعبي البوكر يتفاجأن دائماً بالاوراق المستورة أو بالاحداث الغير متوقعة. من ناحية أخرى لا بد من الاشارة على أنه لا وجود للحدث السياسي بحد ذاته. فكل حدث حياتي عادي يمكنه أن يظل على حاله،أي من دون أهمية تذكر، كما يمكنه أن يتحول إلى حدث سياسي، بمعنى أنه بامكانه أن يأخذ مداه وبعده السياسي عبر نظرة أهل السياسة اليه. فمثلاً قد تظل مسألة إضراب المعلمين، أو غلاء المعيشة، أو حتى زحمة السير، أو أي موضوع آخر، أمور عادية، إلى أن يتناولها السياسي في خطابه. عندها تتحول إلى أحداث سياسية بامتياز. وفي عالم الحب أيضاً يظل اي انسان مجرد شخص عادي إلى أن ينظر اليه الآخر نظرة حب، عندها يتحول بنظر هذا الآخر إلى شخص فريد مميز. فنظرة الحبيب الانتقائية تخرج المحبوب من غمرة المجموعة لتضعه على عرش مرتفع عن بقية الناس.
إن تلون الاحداث، وتغيير صورة الشخص، هو نتاج النظرة التي ُتلقى على الحدث أو على الشخص. وكأن هذه النظرة تشكل نقطة انطلاق لعملية سحرية، تذكر بعصا الساحرة في قصة سندرلا، والتي تحول اليقطينة إلى عربة فخمة تجرها الخيول البيضاء. كما تذكر أيضاً بموقف الشاعر الذي ينظر إلى أمواج البحر وإلى زبد البحر الأبيض الذي يطفو على وجهها، فيرى في هذا المنظر سطوحاً زرقاء يرفرف فوقها اليمام الأبيض لذا قد يكون من الممكن القول أن عالمي السياسة والحب هما من طبيعة واحدة، وهي طبيعة الخيال والسحر. نستدل على ذلك من العبارات المستعملة في هذين العالمين. فيقال في الحب مثلاً "هو ساحر" أو "لقد سحرني". وفي دنيا السياسة أيضاً الكلام ذاته عن القائد الذي يسحر جمهوره فيأخذه إلى مطارح ومواقف من دون أن يدري، فيقال مثلاُ إن الشعب "ماخوذ بكلام قائده" أو "مسحور" به.
والسحر يدخل أيضاً عبر "ألاشياء المادية" المستعملة في هذين العالمين وهو ما يسمى بعلم النفس بالتِميَّة (fetichisme). فعلى مثال التعويذات تستهلك السياسة عدداً لا بأس به من الرموز المادية كالالوان الخاصة، والشعارات، والصور، والاعلام، والمناشير، والاناشيد، ناهيك عن الطقوس المسرحية. كل هذه الرموز تأخذ قيمتها المعنوية من ارتباطها بالزعيم، أو من تجسيدها لتاريخ القائد أو الحزب. وفي عالم الحب أيضاً تأخذ الاشياء الحسية كالروائح والمطارح والألحان وحتى الاشياء الصغيرة التي تتعلق باللباس والزينة، بعدها السحري من نسبة ارتباطها بصورة الحبيب. وفي مجال آخر يتكلم العاشق عن معشوقه أمام الآخرين وكأنه يشكل معه شخصاً واحداً. فيرى الصديق في الذي يشاطره رأيه في حبيبه، كما يرى الخصم في الذي ينتقده. والعاشق أعمى لا يرى في حبيبه سوى خيرة المزايا والمحاسن وقمة الاخلاق السامية. والأمر نفسه ينسحب على الملتزم بزعيم أو بحزب معين. فالمناورات والكذب هي من صفات الأخصام، فزعيمه هو الاله المنزل المعصوم عن الخطاء، والحليف هو الذي يجاري هذا الرأي والخصم هو الذي يتجاصر ويوجه الانتقاد.
والأخطر هو في استسلام العاشق وعدم رفضه لأن يكون في بعض الأحيان تابعاً لسلطة المحبوب، ومنفذاً لرغباته،وأحياناً لنزواته. كما لا يرى المحازب ضيماً في أن يكون منساقاً تابعاً لزعيمه، فاقد لارادته في حضوره. يذكر في الحالتين، هذا الموقف بموقف الولد تجاه أباه. وهو موقف يفسر ثورة الملتزم في حال تقدم شخص عليه في مرتبة التقرب من القائد،كما بفسر أيضاً غيرة العاشق وغضبه، في حال اهتمام المحبوب بشخص آخر. وخلاصة القول هي أنه إذا كان من المفترض أن يكون الحب والسياسة نتاج معادلة تؤدي إلى إرساء النظام والتناغم فيما بين البشر. فهل هذا ما هو حاصل فعلاًً؟ وفي هذا المجال يبرر العاشق عماه وفقدانه لارادته أمام محبوبه، عن طريق تأكيده على قيمة الحب كشعور سامي بحد ذاته، بعيداً عن طبيعة الحبيب وعن فرضية تمتعه أم لا بمزايا تستحق هذا الحب. كما يرد المحازب هذا الانتقاد، مصرّاً على أهمية الالتزام السياسي بحزب أو بقائد ما، على أساس أنه لا بد للانسان من أن يشارك في الحياة العامة. فهل هذا هو التناغم الحقيقي والنظام المرتجى المبني على الواقع؟ أم أنه مجرد حلم أو وهم لابد أن يستفيق منه المنجر حزبياً كما العاشق الولهان يوماً | |
|
باسم الكينج
عدد المساهمات : 1005 نقاط : 28914 تاريخ التسجيل : 28/10/2009
| موضوع: رد: :: في السياسة والحب :: الأربعاء أكتوبر 12, 2011 12:10 pm | |
| | |
|