لحظه فراق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لحظه فراق

منتدى فراق الصعب
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
جوجل
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
جوجل1

 

 دخول مكـــــــــــــــــة

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبير الزهور

عبير الزهور


عدد المساهمات : 1811
نقاط : 30768
تاريخ التسجيل : 15/11/2009
العمر : 35

دخول مكـــــــــــــــــة Empty
مُساهمةموضوع: دخول مكـــــــــــــــــة   دخول مكـــــــــــــــــة Emptyالإثنين سبتمبر 20, 2010 7:42 pm

دخول مكة





قوله: "باب دخول مكة" ، أي: للحاج، كيف يدخل مكة؟ ومن أين يدخلها؟ ومتى يدخلها؟

الأفضل أن يدخلها في أول النهار؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخلها ضحى متفق عليه، ولكن إذا لم يتيسر له ذلك فليدخلها على الوجه الذي يتيسر له.

قوله: "يُسَنُّ من أعلاها" ، أي: من أعلى مكة من الحجون، وهل هذا سنة مقصودة، أو وقع اتفاقاً؟ بمعنى هل يتعمد الإنسان أن يذهب ليدخل من أعلاها، أو نقول إذا كان طريقه من أعلاها، فالأفضل ألا يعدل عنه إلى مكان آخر؟

ظاهر كلام المؤلف أنه يسن قصد الدخول من أعلاها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخلها من أعلاها .

ولكن الذي يظهر أنه يسن إذا كان ذلك أرفق لدخوله، ودليل هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر أن يدخل الناس من أعلاها،متفق عليه.

قوله: "والمسجد من باب بني شيبة" ، يعني يسن أن يدخل المسجد من باب بني شيبة .

وباب بني شيبة الآن عفا عليه الدهر، ولا يوجد له أثر.

لكننا أدركنا طوق باب مقوساً في مكان قريب من مقام إبراهيم، يقال: إن هذا هو باب بني شيبة.

وكان الذي يدخل من باب السلام، ويتجه إلى الكعبة يدخل من هذا الباب، وهل الدخول من باب بني شيبة، لو قدر وجوده أو إعادته، من السنن المقصودة أو التي وقعت اتفاقاً؟

الجواب: يقال فيه ما يقال في دخول مكة.

قوله: "فإذا رأى البيت رفع يديه، وقال ما ورد" ، أي: إذا رأى الكعبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: { )وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) (البقرة:127) } ، فإذا رأى الكعبة رفع يديه يدعو، وعلى هذا فيقف، ويرفع يديه، ويدعو بالدعاء الوارد، والأحاديث الواردة في رفع اليدين وفي الدعاء أحاديث فيها نظر، وأكثرها ضعيف ولهذا لم يذكر ذلك جابر - رضي الله عنه - في سياق حج النبي صلّى الله عليه وسلّم.

قال في الروض: "ومنه اللهم أنت السلام، ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً ... إلخ".

فإن صحت هذه الأحاديث عمل بها، وإن لم تصح فإنه لا يجوز العمل بالخبر الضعيف؛ لأن العمل بالخبر الضعيف إثبات سنة بغير دليل صحيح.

وإذا قلنا بعدم صحة هذه الأحاديث، وأنه لا عمل عليها، فإنه يدخل باب المسجد كما يدخل أي باب من أبواب المساجد، يقدم رجله اليمنى، ويقول: "بسم الله، اللهم صلِّ على محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" ، ويتجه إلى الحجر الأسود فيطوف.

قوله: "ثم يطوف مضطبعاً" الاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر.

والحكمة من ذلك الاقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وإظهار القوة والنشاط، إذ هو أنشط للإنسان مما لو التحف والتف بردائه.

وقوله: "ثم يطوف مضطبعاً" يستفاد منه أنه لا يفعل الاضطباع إلا إذا شرع في الطواف، ويتركه حين ينتهي منه وهو كذلك، والعجب من جهل كثير من الناس اليوم أنهم يضطبعون من حين أن يحرموا ويستمروا إلى أن يحلوا، وهذا من الجهل، وعدم تنبيه العامة، وإلا فلو نبه العامة على ذلك لعملوا به لأنهم يريدون الخير.

قوله: "يبتدئ المعتمر بطواف العمرة" ، وهذا يشمل المعتمر عمرة تمتع، والمعتمر عمرة مفردة، فالمعتمر عمرة مفردة هو الذي يعتمر في أي شهر من شهور السنة، والمعتمر عمرة تمتع هو الذي يعتمر في أشهر الحج ناوياً الحج من عامه، فإن اعتمر في أشهر الحج وهو لا يريد الحج، ثم طرأ له بعد فحج فليس بمتمتع، بل هو معتمر بعمرة مفردة.

وقوله: "يبتدئ المعتمر بطواف العمرة" ظاهره أنه لا يصلي تحية المسجد وهو كذلك، فإن من دخل المسجد للطواف أغناه الطواف عن تحية المسجد، ومن دخله للصلاة، أو الذكر أو القراءة أو ما أشبه ذلك فإنه يصلي ركعتين، كما لو دخل أي مسجد آخر.

قوله: "والقارن والمفرد للقدوم" ، أي: يطوف القارن والمفرد للقدوم، وليس هذا بواجب أعني طواف القدوم.

ودليل ذلك حديث عروة بن مضرس - رضي الله عنه -: أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي الفجر في مزدلفة، فأخبره أنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه" صحيح، ولم يذكر طواف القدوم، فدل هذا على أنه ليس بواجب.

وسمي طواف القدوم؛ لأنه أول ما يفعل عند قدوم الإنسان إلى مكة؛ ولهذا ينبغي أن يبدأ به قبل كل شيء، قبل أن يحط رحله؛ فالنبي صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل مكة عمد إلى البيت وأناخ راحلته، وطاف.

ولكن إذا شق على الإنسان هذا العمل، وأراد أن يذهب إلى مكان سكناه، ويحط رحله فلا حرج، فالمسألة من باب السنن فقط.

قوله: "فيحاذي الحجر الأسود" ، يحاذي: أي: يوازي.

والحجر الأسود هو الذي في الركن الشرقي الجنوبي من الكعبة، ويوصف بالأسود لسواده، ويخطئ من يقول الحجر الأسعد، فإن هذه تسمية بدعية، فإن اسمه الحجر الأسود، لكن من العوام من يقول: الحجر الأسعد، فيجعل هذا الحجر من السعداء، بل أسعد السعداء، لأن الأسعد اسم تفضيل محلى بـ"أل" يدل على أنه لا أحد يساميه في السعادة، وهذا من الغلو بلا شك، بل نقول الحجر الأسود كما هو أسود، وإذا لقبناه بوصفه لم يكن في ذلك إهانة له ولا إذلالٌ له. ويذكر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: "أنه نزل من الجنة أشد بياضاً من اللبن، ولكن سودته خطايا بني آدم" صحيح، فإن كان صحيحاً، فلا غرابة أن يكون نازلاً من الجنة، وإن لم يكن الحديث صحيحاً وهو الأقرب فلا إشكال فيه.

قوله: "بكله" ، أي: بكل بدنة، بمعنى يستقبله تماماً، فلو وقف أمام الحجر، وبعض الحجر خارج بدنه من الجانب الأيسر فإن هذا الشوط ناقص، فلا بد أن يحاذي الحجر الأسود بكله.

والتحديد بهذا الحد في النفس منه شيء؛ لأن ظاهر فعل الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم إذا حاذوه سواء كان بكل البدن أو بالجانب الأيمن من البدن أو الأيسر أن الأمر سهل، ولكن على كلام الفقهاء لا بد من هذا، وعليه فيشكل كثيراً فيما سبق كيف تكون هذه المحاذاة الدقيقة؟ وكنا نتعبُ في هذه المحاذاة الدقيقة ونحتاط فنخطوا خطوات مما يلي الركن اليماني، وكان العامة يبدؤون من حيث يظنون أنهم حاذوا الحجر، ومعلوم أن الإنسان كلما بعد عن الكعبة شقت المحاذاة ولكن من تيسير الله - عزّ وجل - بعد تبليط المطاف جعلت هذه العلامة وكانت بالأول خطين بنيين والحجر بينهما، فكان في هذا خلل وضرر، لأن المبتدئ سوف يبتدئ من الخط الأيمن، ويكون من بعد الحجر والمنتهي ينتهي بالخط الأيسر فينتهي الطواف قبل أن يصل إلى الحجر، وبقي الناس على هذا برهة من الزمن ثم غيِّر الخطان، وجعل هذا الخط في قلب الحجر، فكان علامة مريحة ومفيدة للطائفين لا سيما العوام، وأما طالب العلم فيمكن أن يتخلص ويحتاط بأن يتقدم إلى الركن اليماني ويؤدي طوافه بيقين، على أن هذا الخط فيه منازعات، فبعض الناس يقول يجب أن يرفع؛ لأن بعض العامة إذا وجد الخط وقف، وبعض العامة إذا كان الخط خالياً صلى على الخط فيظنون أن هذا الخط شيء مقصود شرعاً، وليس كذلك، قالوا: فمن أجل هذا يجب رفعه، فنقول: الحقيقة إن هذا أمر - كما يقولون - سلبي، ولكن الأمر الإيجابي أهم من هذا، وهو انضباط الناس في ابتداء الطواف وانتهائه، وأما مسألة الوقوف، - فنحن شاهدنا في الزحام وفي الفضاء - ليس وقوفاً كثيراً، ثم إن هذا الوقوف مقابل بالوقوف إذا لم يكن هناك خط، لأن كل إنسان يظن أنه حاذى الحجر سوف يقف فتتعدد المواقف، ويكون هذا أشد تضييقاً وزحاماً فهذا يقف يظن أنه حاذى الحجر، والثاني يقف يظن أنه حاذى الحجر، والثالث يقف بعده يظن أنه حاذى الحجر، فيكون أشد زحاماً، وأما الصلاة فإن كان زحام فلا أحد يقدر أن يصلي، وإن كان في غير زحام فالذين يصلون قليلون يمكن أن ينصحوا، المهم أن منفعته أكثر من مضرته فيما نرى، ونسأل الله أن يبقيه، وإلا فهناك معارضة قوية في أن يزال، ولكن نرجو من الله - سبحانه وتعالى - أن يمكنه حتى ينتفع الناس به.

وعلى كلام المؤلف يجب أن يحاذي الحجر بكل بدنه، والصواب أنه ليس بواجب وأنه لو حاذاه ولو ببعض البدن فهو كافٍ واختاره شيخ الإسلام، ولا حاجة إلى أن يحاذي بكل البدن، نعم إن تيسر فهو أفضل لا شك.

وقوله: "فيحاذي الحجر الأسود بكله" : يدل على أنه لا ينبغي أن يتقدم نحو الركن اليماني، فيبتدئ من قبل الحجر فإن هذا بدعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ابتدأ طوافه من الحجر الأسود، فكونك تبتدئ من قَبْلِ الحجر بدعة وتنطع في دين الله، فلا ينبغي أن يخطو الإنسان خطوة واحدة قبل الحجر الأسود، بل يبتدئ من الحجر.

قوله: "ويستلمه" ، أي: يمسحه بيده، لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم واستلام كل شيء بحسبه، فاستلام النقود من المشتري قبضها باليد، وقد ورد في حديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "إن الحجر الأسود يمين الله في الأرض وأن من صافحه فكأنما صافح الله - عزّ وجل -" ضعيف، وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكن ذكر عن ابن عباس من قوله، وقد قيل أن ابن عباس - رضي الله عنهما - ممن عرف بالأخذ عن الإسرائيليات، فلا يعول على قوله في مثل هذا؛ لأن العلماء ذكروا أن من شرط كون الخبر مرفوعاً حكماً إذا أخبر به صحابي أن لا يكون الصحابي معروفاً بالأخذ عن بني إسرائيل.

تنبيه:

القول بأن ابن عباس ممن عرف بالأخذ عن الإسرائيليات، هذا ما ذكره علماء المصطلح كالعراقي في شرح ألفيته في ملحقات المرفوع والموقوف حيث ذكر أن العبادلة ممن سمعوا عن كعب الأحبار وابن عباس من العبادلة كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله -، لكن في كون ابن عباس - رضي الله عنهما - ممن أخذ عن الإسرائيليات فيه نظر ظاهر، ففي صحيح البخاري عنه أنه أنكر على من يسألون أهل الكتاب، فقال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدث، وفي لفظ: (أحدث الأخبار بالله) تقرؤونه محضاً لم يُشَبْ، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً لا ينهاكم وفي لفظ (أفلا ينهاكم) ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم ، وعلى هذا فيكون عن ابن عباس من قوله ولا يمكن أن يكون أخذه عن بني إسرائيل لكن يبقى النظر هل يثبت له حكم الرفع؟ يحتمل أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قاله مستنبطاً الحكمة من استلامه.

قوله: "ويقبله" لأنه ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يقبله،متفق عليه،لكن هل يقبله محبة له لكونه حجراً، أو تعظيماً لله - عزّ وجل -؟

الجواب: الثاني بلا شك، لا محبة له من حيث كونه حجراً، ولا للتبرك به - أيضاً -، كما يصنعه بعض الجهال فيمسح يده بالحجر الأسود، ثم يمسح بها بدنه، أو يمسح الحجر الأسود، ثم يمسح على صبيانه الصغار تبركاً به، فإن هذا من البدع، وهو نوع من الشرك.

ولهذا قبَّل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الحجر الأسود وقال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبلك ما قبلتك" ، فأفاد - رضي الله عنه - عنه بهذا أن تقبيله تعبُّد لله واتباع للرسول صلّى الله عليه وسلّم.

فالإنسان إذا أحب شيئاً أحب القرب منه، فكذلك كان تقبيلنا للحجر الأسود محبة لله - عزّ وجل - وتعظيماً له ومحبة للقرب منه - سبحانه وتعالى -.

قوله: "فإن شق قبَّل يده فإن شق اللمس أشار إليه" ، أي: شق التقبيل فإنه يستلمه بيده ويقبل يده ، وهذا بعد استلامه ومسحه، لا أنه يقبل يده بدون مسح وبدون استلام، فإن شق اللمس أشار إليه ، وإذا أشار إليه فإنه لا يقبل يده.

كل هذه الصفات وردت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهي مرتبة حسب الأسهل، فأعلاها استلام باليد وتقبيل الحجر، ثم استلام باليد مع تقبيلها، ثم استلام بعصًا ونحوه مع تقبيله إن لم يكن فيه أذية، والسنة إنما وردت في هذا للراكب فيما نعلم ثم إشارة، فالمراتب صارت أربعاً تفعل أولاً فأولاً بلا أذية ولا مشقة.

قوله: "ويقول ما ورد" ، أي: ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ومنه عند ابتداء الطواف "بسم الله والله أكبر ، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلّى الله عليه وسلّم" أخرجه البيهقي، كما كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول ذلك.

أما في الأشواط الأخرى، فإنه يكبر كلما حاذى الحجر اقتداءً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخرجه البخاري .

مسألة: كيفية الإشارة؟ هل الإشارة كما يفعل العامة أن تشير إليه كأنما تشير في الصلاة، أي: ترفع اليدين قائلاً الله أكبر؟

الجواب: لا، بل الإشارة باليد اليمنى، كما أن المسح يكون باليد اليمنى، ولكن هل تشير وأنت ماش، والحجر على يسارك؟ أم تستقبله؟

الجواب: روي عن عمر - رضي الله عنه - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: "إنك رجل قوي، فلا تزاحم فتؤذي الضعيف إن وجدت فرجة فاستلم وإلا فاستقبله وهلِّل وكبِّر" أخرجه أحمد، قال: "وإلا فاستقبله" .

فالظاهر أنه عند الإشارة يستقبله، ولأن هذه الإشارة تقوم مقام الاستلام والتقبيل، والاستلام والتقبيل يكون الإنسان مستقبلاً له بالضرورة.

لكن إن شق أيضاً مع كثرة الزحام، فلا حرج أن يشير وهو ماش.

قوله: "ويجعل البيت عن يساره" ، أي: إذا طاف، يجعل البيت عن يساره ، والدليل على ذلك ما يلي:

أولاً: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم طاف هكذا أي جعل البيت عن يساره، وقال: "لتأخذوا عني مناسككم " .أخرجه مسلم

ثانياً: أن الإنسان إذا وقف أمام الحجر فسوف ينصرف، وقد حث النبي صلّى الله عليه وسلّم على تقديم الأيمن وهو إذا انصرف فسينصرف إلى اليمين، وإذا انصرف إلى اليمين لزم أن تكون الكعبة عن يساره.

ثالثاً: أيضاً باب الكعبة من المشرق، والباب هو وجه الكعبة وخلفه دبر الكعبة، فإذا انصرف عن يمينه، جعل الكعبة عن يساره، فقد قدم وجه الكعبة على دبرها.

رابعاً: أن الحركة إذا جعل البيت عن يساره، يعتمد فيها الأيمن على الأيسر في الدوران فيكون هذا أولى؛ لأنه يعلو على الأيسر، بخلاف ما لو اعتمد الأيسر على الأيمن فإن الأيسر يكون هو الأعلى.

خامساً: أن القلب من جهة اليسار وهو بيت تعظيم الله - عزّ وجل -، ومحل تعظيم الله - عزّ وجل - ومحبته، فصار من المناسب أن يجعل البيت عن يساره؛ ليقرب محل ذكر الله وعبادته وتعظيمه، من البيت المعظم، فيكون القلب موالياً للبيت إذا جعل الكعبة عن يساره، وهذه حكمة ذكرها بعض العلماء، وأهمها اتباع السنة.

قوله: "ويطوف سبعاً" ، أي: يدور حول الكعبة، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتكون كاملة لا تقل، فلو نقص خطوة واحدة من أوله أو آخره لم يصح، كما لو نقص شيئاً من الصلاة الرباعية، أو الثلاثية، أو الثنائية، فإنها لا تصح.

قوله: "يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثاً ثم يمشي أربعاً" الأفقي قال العلماء: هو الذي أحرم من بعيد عن مكة، فليس بشرط أن يكون بينه وبينها مسافة القصر، فالذي ليس من أهل مكة يرمل من الأشواط الثلاثة الأولى.

مثاله: من أحرم من قرن المنازل، أو يلملم، أو ذات عرق، أو الجحفة، أو من ذي الحليفة فإنه يرمل.

وكذلك من أحرم دون ذلك ولكنه بعيد عن مكة فإنه يرمل، حتى لو كان من أهل مكة، ودخل مكة وأحرم من مكان بعيد فإنه يرمل في طواف القدوم ثلاثة أشواط، ثم يمشي أربعة.

وذلك لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسبب هذا الفعل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قدم مكة عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة، قالت قريش: إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، أي: أضعفتهم، ويثرب هي المدينة، والحمى مرض معروف، وكانت الحمى في المدينة شديدة حتى دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم ربه - عزّ وجل - أن ينقل حماها إلى الجحفة ففعل - سبحانه وتعالى.

لكن قريشاً أعداء، والعدو يحب الشماتة بعدوه، قالوا: اجلسوا ننظر هؤلاء الذين قدموا عليكم وقد أضعفتهم الحمى وجلسوا نحو الحِجْر، أي في الناحية الشمالية من الكعبة؛ لأجل أن يطلعوا على ما زعموه من ضعف النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة.

والرمَل ليس هو هز الكتفين كما يفعله الجهال، بل الرمَل هو المشي بقوة ونشاط، بحيث يسرع، لكن لا يمد خطوه، والغالب أن الإنسان إذا أسرع يمد خطاه لأجل أن يتقدم بعيداً، لكن في الطواف نقول: أسرع بدون أن تمد الخطا بل قارب الخطا.

فلما رأت قريش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يرملون هذا الرمل قالوا: إنهم أشد جرياً ومشياً من الغزلان الظباء، فغاظهم ذلك وحزنوا، حيث كانوا يتوقعون في الأول أنهم ضعفاء فتبين أنهم أقوياء .متفق عليه

ولكن كان الرمل في عمرة القضاء من الحجر الأسود إلى الركن اليماني ، ثم يمشون ما بين الركنين، لأنهم إذا انحرفوا عن الركن اليماني غابوا عن أنظار قريش، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبقي على قوتهم، وأن يمشوا ما بين الركنين، فلطف بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم من وجهين:

الأول: أنه خص الرمل بالأشواط الثلاثة الأولى فقط.

الثاني: أنه أمرهم أن يمشوا ما بين الركنين، الركن اليماني والحجر الأسود.

فهذا أصل مشروعية الرمل، ولكن هل يقال: إنه بعد فتح مكة وعز الإسلام يرتفع هذا الحكم، لارتفاع سببه، أو نقول إن هذا الحكم باق؟.

الجواب: الثاني، فإن عمر - رضي الله عنه - أورد على نفسه هذا الإيراد وقال: فيم الرمل الآن وقد أعزنا الله؟.

ثم أجاب نفسه: أنه شيء فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم لا بد أن نفعله .

وذلك لأنه في حجة الوداع قد زال السبب، وهو إغاظة المشركين إذ ليس هناك مشرك حتى يغاظ، ومع هذا أبقاه النبي صلّى الله عليه وسلّم مع زيادة على الرمل في عمرة القضاء، حيث كان الرمل في حجة الوداع من الركن إلى الركن أي في كل الأشواط الثلاثة،أخرجه مسلم، حتى ما بين الركنين رمل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي عمرة القضاء من الركن إلى الركن اليماني فقط، فدل ذلك على بقاء المشروعية.

فإن قال قائل: كيف تبقى المشروعية وقد زال السبب؟ والحكمة تقتضي أنه بزوال السبب يزول المسبب، وبزوال العلة يزول المعلول؟

فالجواب: أن العلة وإن كانت إغاظة المشركين ولا مشركين الآن، لكن ليتذكر الإنسان أن المسلم يُطْلَبُ منه أن يغيظ المشركين، فينبغي لك أن تشعر عند الرمل في الطواف، كأن أمامك المشركين؛ لأجل أن تغيظهم؛ لأن غيظ المشركين مما يقرب إلى الله - عزّ وجل - قال تعالى: { ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } [التوبة: 120] .

فإن لم يتيسر له الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، لازدحام المكان وتيسر له في الأشواط الثلاثة الأخيرة لخفة الزحام فلا يقضى؛ لأن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة الأولى، وقد فات محلها، ولأنه إذا رمل في الأشواط الأخيرة خالف السنة، إذ السنة في الأشواط الأخيرة المشي دون الرمل.

والرمل في الأشواط كلها بدعة ينهى عنها مع ما فيه من الإشقاق على النفس.

فإن قال قائل: لماذا لم يكن الرمل في أشواط أربعة.

فالجواب: قلنا: الحكمة على ذلك ما يلي:

أولاً: التخفيف على الطائفين.

ثانياً: من أجل أن يقطع على وتر؛ لأن الطواف كله مبني على وتر، فلو قلنا يرمل في الأربعة الأولى لقطع على شفع، ولو قلنا يرمل في خمسة لكان فيه مشقة، فلهذا كانت الحكمة تقتضي أن يكون في الأشواط الثلاثة الأولى، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم.

فإن قال قائل: إذا دار الأمر بين أن أرمل مع البعد عن الكعبة وبين أن أمشي مع القرب، فأيهما أقدم؟

فالجواب: قدم الأول فارمل، ولو بعدت عن الكعبة؛ لأن مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بزمانها، أو مكانها".

وهذه القاعدة لها أمثلة:

منها: لو أن رجلاً حين دخل عليه وقت الصلاة وهو حاقن، أو بحضرة طعام فهل الأولى أن يقضي حاجته ويأكل طعامه، ولو أدى ذلك إلى تأخير الصلاة عن أول وقتها؟ أو العكس؟

فالجواب : الأول، فهنا راعينا نفس العبادة دون أول الوقت؛ لأنه إذا صلى فارغ القلب مقبلاً على صلاته كانت الصلاة أكمل.

ومنها: لو أن شخصاً أراد أن يصلي في الصف الأول، وحوله ضوضاء وتشويش أو حوله رجل له رائحة كريهة تشغله، فهل الأولى أن يتجنب الضوضاء، والرائحة الكريهة، ولو أدى ذلك إلى ترك الصف الأول، أو أن يصف في الصف الأول مع وجود التشويش أو الرائحة الكريهة؟

فالجواب: لا شك أن الأولى تجنب التشويش، وترك الصف الأول؛ لأن هذا يتعلق بذات العبادة.

قوله: "يستلم الحجر والركن اليماني كل مرة" ، أي: يمسحهما بيمينه في كل مرة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يستلمهما في كل مرة من طوافه، متفق عليه.

مسألة: في آخر شوط هل يستلمهما؟

فالجواب: يستلم الركن اليماني، ولا يستلم الحجر الأسود.

لأنه إذا مر بالركن اليماني مر وهو في طوافه، وإذا انتهى إلى الحجر الأسود انتهى طوافه قبل أن يحاذيه تمام المحاذاة وعليه فلا يستلم الحجر الأسود ولا يكبر أيضاً؛ لأن التكبير تابع للاستلام، ولا استلام حينئذ ولأن التكبير في أول الشوط، وليس في آخر الشوط.

وقوله: "يستلم الحجر والركن اليماني كل مرة" ، وهما معروفان، والركن اليماني إنما سمي يمانياً؛ لأنه من جهة اليمن، ويطلق عليه هو والحجر الركنان اليمانيان، فالكعبة ذات أركان أربعة، الحجر والركن اليماني، والشمالي، والغربي، فيستلم الركن اليماني، والحجر، ولا يستلم الركن الشمالي والغربي.

وقد طاف أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - ذات يوم فجعل يستلم الأركان الأربعة فأنكر عليه ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال له معاوية: إنه ليس شيء من البيت مهجوراً، فعلل بعلة عقلية، والعلة العقلية قد تكون ساقطة.

قال له ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لقد كان لكم في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة، ولم يستلم النبي صلّى الله عليه وسلّم من البيت إلا الركنين اليمانيين، فقال: صدقت" صحيح، وكف عن استلام الركن الشمالي والغربي؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - يريدون الحق أينما كان، وصار يستلم الحجر الأسود والركن اليماني؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يستلم إلا هذين الركنين.

فإن قال قائل: ما الحكمة من أنه لم يستلم الأركان الأربعة؟

فالجواب: أن الركن الشمالي والغربي ليسا على قواعد إبراهيم - عليه السلام - فلذلك لم يستلمهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ إن البيت كان ممتداً نحو الشمال من قبل، لكن لما عمرته قريش قصرت بهم النفقة فرأوا أن يحطموا الجزء الشمالي من الكعبة، لأنه لا سبيل لهم إلى أن يحطموا الجزء الجنوبي؛ لأن فيه الحجر الأسود.

مسائل : -

الأولى: إذا لم يستطع استلام الركن اليماني فإنه لا يشير إليه؛ لأنه لم يرد.

الثانية: لم يذكر المؤلف - رحمه الله - بعد أن ذكر التكبير عند الحجر ماذا يقول عند استلامه الركن اليماني؟

والجواب: أنه لا يقول شيئاً، فيستلم بلا قول، ولا تكبير ولا غيره؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.

والقاعدة الفقهية الأصولية الشرعية أن كل ما وجد سببه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم يفعله، فالسنة تركه، وهذا قد وجد سببه، فالركن اليماني كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يستلمه، ولم يكن يكبر،أخرجه مسلم. وعلى هذا فلا يسن التكبير عند استلامه.

الثالثة: في بقية الطواف ماذا يقول؟

الجواب: يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" . حسن.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والمناسبة في ذلك أن هذا الجانب من الكعبة هو آخر الشوط، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يختم دعاءه غالباً بهذا الدعاء".

وأما الزيادة: "وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار"، فهذه لم ترد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينبغي للإنسان أن يتخذها تعبداً لله، لكن لو دعا بها لم ينكر عليه؛ لأن هذا محل دعاء، ولكن كونه يجعله مربوطاً بهذه الجملة: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، غير صحيح.

وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يقول أيضاً: "اللهم إني أسألك العفو والعافية"، ولكنه حديث ضعيف .

قوله: "ومن ترك شيئاً من الطواف" ، شرع المؤلف - رحمه الله - في بيان شروط الطواف فمنها أن يكون مستوعباً لجميع الأشواط من الحجر إلى الحجر؛ ولهذا قال: "ومن ترك شيئاً من الطواف" ، و"شيئاً" : نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، فتشمل ما لو ترك خطوة واحدة، أو شبراً واحداً من الطواف، فإنه لا يصح.

لكن إذا تركه من شوط، وذكر المتروك في أثناء الطواف فإنه يلغي الشوط الذي ترك منه ذلك، ويقع ما بعده بدلاً عنه.

وقوله: "ومن ترك شيئاً من الطواف" ، أي: من تيقن الترك، أما من شك فإنه يُنظر، إما أن يشك بعد الفراغ من كل الطواف، وإما أن يشك في أثناء الطواف.

فإن شك في أثناء الطواف فهل يبني على اليقين، أو على غلبة الظن؟

الجواب: في ذلك خلاف، كالخلاف في من شك في عدد ركعات الصلاة، فمن العلماء من قال: يبني على غلبة الظن؛ ومنهم من قال: يبني على اليقين.

مثال ذلك: في أثناء الطواف شك هل طاف خمسة أشواط، أو ستة أشواط، فإن كان الشك متساوي الأطراف جعلها خمسة؛ لأنه المتيقن، وإن ترجح أنها خمسة جعلها خمسة، وإن ترجح أنها ستة، فمن العلماء من يقول: يعمل بذلك ويجعلها ستة، ومنهم من قال: يبني على اليقين ويجعلها خمسة.

والصحيح أنه يعمل بغلبة الظن كالصلاة، وعلى هذا فيجعلها ستة، ويأتي بالسابع.

أما بعد الفراغ من الطواف، والانصراف عن مكان الطواف، فإن الشك لا يؤثر، ولا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر.

مثال ذلك: رجل انصرف من الطواف على أنه تم طوافه، ثم شك هل طاف سبعاً أو ستاً، فنقول له: لا تلتفت لهذا الشك؛ لأن الشيطان ربما يأتي الإنسان بعد فراغه من العبادة ليلبس عليه دينه، فيشككه، ولو أن الإنسان التفت إلى مثل هذا الشك لفسدت عليه عباداته، وصار دائماً في قلق وانفتح عليه باب الوسواس، والشيطان يحرص على أن يكون الإنسان دائماً في قلق وفي حزن، قال تعالى: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا }، أي: ليدخل عليهم الحزن، قال تعالى: { وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [المجادلة: 10] .

فإن تيقن أنه ترك شوطاً، فحينئذٍ يعمل باليقين، ويرجع ويأتي بالشوط، لكن في الغالب أن هذا لا يقع، والغالب أن الإنسان بعد أن يتم الطواف وينصرف ويصلي ركعتين أنه لا يتيقن أنه نقص، لكن إذا فرضنا ذلك وجب عليه أن يرجع ويأتي بالشوط السابع ما لم يطل الفصل عرفاً، فإن طال الفصل عرفاً امتنع البناء على ما سبق ولزمه استئناف الطواف من أوله.

قوله: "أو لم ينوه" ، هذا من شروط الطواف، فيشترط لصحته أن ينويه، فلو جعل يدور حول الكعبة، ليتابع مديناً له يطالبه بدين، أو لأي غرض من الأغراض، فإنه لا يصح طوافه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"متفق عليه ، وهذا لم ينو الطواف، بل نوى متابعة غريم، أو متابعة إنسان يريد أن يتكلم معه، ويمشي معه حتى ينتهي من طوافه أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يصح طوافه، ولكن لو نوى الطواف مطلقاً، دون أن ينويه للعمرة مثلاً فهل يجزئ؟

الجواب: في ذلك خلاف بين العلماء.

فمنهم من قال: لا يجزئ، بل يجب أن ينوي الطواف للعمرة، أو الطواف للحج، أو الطواف للوداع، أو الطواف تطوعاً كطواف القدوم، وأما مجرد الطواف فلا يجزئ، وهذا هو المشهور من المذهب أنه لا بد أن يعين الطواف بنيته.

وقال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل تشترط نية الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال: الصلاة فيها ركوع، وسجود، وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة، بل تكفي النية الأولى.

وعلى هذا فإذا نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة.

فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف، وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط تعيين الطواف ما دام متلبساً بالنسك.

وهذا مع كونه الراجح نظراً، هو الأيسر بالناس؛ لأن الإنسان مع الزحام ربما يغيب عن ذهنه أنه نوى أن يطوف للعمرة أو للحج، فلو قلنا: لا بد من تعيين الطواف للنسك المعين لكان في هذا مشقة على الناس، أما إذا قلنا: بالقول الراجح أن نية العبادة تنسحب على جميع العبادة بجميع أجزائها فلا شك أن هذا أيسر للناس.

ونظير هذه مسألة في الصلاة، وهي: لو أنه دخل في صلاة الظهر بنية أنها فرض الوقت، وغاب عن ذهنه تعيين الظهر، فإن القول الراجح أنها تجزئ وتصح؛ لأنك لو سألت هذا الرجل ماذا أردت بهذه الصلاة؟ لكان الجواب: الظهر، والإنسان قد يذهل عن التعيين، وقد يأتي والإمام راكع مثلاً، فيدخل في الصلاة بسرعة، ولا يعين النية.

قوله: "أو نسكه" أي: أو لم ينو نسكه لم يصح، وهذا من شروط صحة طواف النسك، فالحج ينفرد عن العبادات الأخرى بأشياء كثيرة، منها: جواز تغيير النية، ومنها لزوم إتمامه ولو كان نفلاً، وغيرها.

فيجوز للإنسان أن يحرم إحراماً مطلقاً، فيقول: "لبيك اللهم لبيك" ولا يعين لا عمرة ولا حجاً، لكن لا يجوز أن يطوف حتى يعين؛ لأن الإحرام المطلق صالح للعمرة وحدها، وللحج وحده، ولهما جميعاً فلا بد أن يعين واحداً من ذلك ليتعين له الطواف.

ومن الإحرام المطلق، وإن كان فيه شيء من التقييد أن يقول: أحرمت بما أحرم به فلان، أو لبيك بما أحرم به فلان، ويتصور هذا في الرجل عنده شيء من الجهل، ويعرف أن فلاناً من أهل العلم والمعرفة قد حج، فيقول: لبيك بما أحرم به فلان، وفلان هذا قد يكون أحرم بعمرة، أو بحج، أو بحج وعمرة، فنقول: إحرامك هذا صحيح، لكن لا بد أن تعلم بماذا أحرم فلان قبل أن تطوف، ليقع طوافك بعد تعيين النسك الذي أردت.

ويدل لهذه المسألة الأخيرة أعني أن ينوي الإحرام بما أحرم به فلان: "أن علي بن أبي طالب وأبا موسى بعثهما النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، فقدما مكة والرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قدم قبلهما للحج، وكلاهما قال: أحرمت بما أحرم به رسولك، فلبوا بما أحرم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أما علي فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "بم أهللت؟ قال: بما أهل به رسول الله، فقال: فإن معي الهدي فلا تحل" متفق عليه، فأشركه في هديه؛ لأن معه الهدي؛ ومن ساق الهدي فلا يمكن أن يحل.

وأما أبو موسى فقال له: اجعلها عمرة، مع أن إحرامه حين أهل بما أهل به رسول الله ينعقد قراناً، لكن أبا موسى لم يكن معه هدي .

فنأخذ من هذا أن الإنسان يجوز له أن يحرم بما أحرم به غيره، ولكن لا بد أن يعين قبل الطواف؛ ليقع طوافه في نسك معلوم، ولهذا قال المؤلف هنا: "أو نسكه" .

قال في الروض: "بأن أحرم مطلقاً"، فلو أحرم مطلقاً، ودخل وطاف على أنه طواف مطلق، كما أنه إحرام مطلق فلا يصح؛ لأنه لم ينو هذا النسك بعينه؛ فعلى أي شيء يبني؟!

قوله: "أو طاف على الشاذروان" ، الشاذروان هو السوار المحيط بالكعبة من رخام في أسفلها كالعتبة، وكان من قبل مسطحاً يمكن أن يطوف عليه الناس، فإذا طاف عليه إنسان فإنه لا يصح طوافه؛ لأن الشاذروان من الكعبة، وقد قال تعالى: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) } [الحج: 29] ولم يقل في البيت، ولو قال: في البيت صح الطواف من دون الحجر وعلى الشاذروان، لكن قال: بالبيت والباء للاستيعاب، فالطواف بجميع الكعبة واجب.

لكن بعض الخلفاء - جزاه الله خيراً - جعله مُسَنَّماً كما يشاهد الآن، فلا يمكن الطواف عليه فمن صعد عليه ليطوف زلق؛ لأنه مزلة.

لكن لو فرض أن رجلاً أحمق، قال لصاحبه سأعتمد على كتفك، وأطوف على الشاذروان، فلا يصح؛ لأنه من البيت، وهذا ربما يقع في أيام الزحام، فيطوف الإنسان على الشاذروان ويتكئ على أكتاف الناس، لكن - الحمد لله - لم يحصل ذلك فيما نعلم.

وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: يصح الطواف على الشاذروان؛ لأن الشاذروان ليس من الكعبة، بل هو كالعتبة تكون تحت سور البيت، وقد جعل عماداً للبيت، فيجوز الطواف عليه.

قوله: "أو جدار الحجر" بكسر الحاء وسكون الجيم، الحجر معروف وهو البناء المقوس من شمالي الكعبة، ويسمى عند العامة حجر إسماعيل، - وسبحان الله - كيف يكون حجر إسماعيل وإسماعيل لم يعلم به؟! وقد بُنِيَ بعده بأزمان كثيرة؛ لأن سبب بنائه كما ثبت في الصحيح أن قريشاً لما بنت الكعبة قصرت بهم النفقة، وقد أجمعوا على أن يكون البناء من كسب طيب، فقالوا: لا بد أن نبني البعض، وندع البعض، وأنسب شيء يدعونه أن يكون الناحية الشمالية، وجعلوا هذا الجدار وسمي الحجر؛ لأنه محجر.

وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين باباً يخرج منه الناس وباباً يدخلون منه" متفق عليه، لكن ترك ذلك خوفاً من الفتنة، إلا أن الله - سبحانه وتعالى - حقق ما أراده الرسول صلّى الله عليه وسلّم بدون مضرة، فلو أنها بنيت على قواعد إبراهيم، وجعل لها باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه، لهلك الناس، ولا سيما في الأزمنة الأخيرة، حيث يتقاتلون على ما هو دون الكعبة بكثير؛ فما ظنكم لو دخل الناس من هذا الباب، والكعبة مسقوفة وضيقة؟ لأهلك الناس بعضهم بعضاً، لكن حصل مراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم بهذا الحجر، فجعل للحجر - وهو من الكعبة - بابان، باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه، مع كونه مكشوف الفضاء فانتفى الضرر مع حصول المقصود، وهذا من حكمة الله - عزّ وجل - ورحمته.

ولما تولى خلافة الحجاز عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - هدم الكعبة، وبناها على قواعد إبراهيم؛ لأن السبب الذي منع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من بنائها على قواعد إبراهيم قد زال، وتوطد الإيمان في القلوب فهدمها وجعل يأتي بالناس، ويشهدهم على الأساسات الأولى التي هي قواعد إبراهيم، وبناها على قواعد إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، وجعل لها بابين باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه.

ثم إنها هدمت في عهد عبد الملك بن مروان وأعيدت على ما كانت عليه في الجاهلية، بعد أن استشهد عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - ولما تولى الرشيد أراد أن يعيدها على قواعد إبراهيم فاستشار بذلك العلماء، فقالوا: لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك، كلما مَلَكَ مَلِكٌ قال أغير إلى كذا، فتركه وبقي على ما هو عليه إلى الآن، والحمد لله.

فإذا طاف على جدار الحجر لم يصح الطواف لعدم استيعاب الكعبة، وإن طاف من دون جدار الحجر من الداخل، لم يصح من باب أولى.

وظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - أنه لو طاف على جدار الحجر الذي ليس من الكعبة لم يصح؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، ولأن التمييز بين الجانب الداخل في الكعبة والخارج منها فيه شيء من الصعوبة؛ لأن الحجر ليس كله من الكعبة، فليس من الكعبة إلا مقدار ستة أذرع وشيء، وقربه بعضهم فقال: إذا ابتدأ الانحناء من الحجر يكون خارج الكعبة، ومن المستوي يكون داخل الكعبة.

وعليه فنقول: إنه لا يصح الطواف على جدار الحجر ولو على الجانب الخارج من الكعبة؛ فيكون هذا الزائد تابعاً للأصل.

قوله: "أو عريان" ، إشارة إلى شرط من شروط الطواف وهو ستر العورة، فلو طاف وهو عريان، فإنه لا يصح طوافه؛ لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم: "أن ينادي في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك - يعني العام التاسع - ولا يطوف بالبيت عريان"متفق عليه ، اللهم إلا أن يكون لضرورة، فإن طاف وهو عريان لم يصح؛ لأنه طواف منهي عنه، وإذا كان منهياً عنه، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" .صحيح

وكان الناس في الجاهلية إن حصلوا على ثياب من قريش أخذوها عاريَّة، أو شراء، أو هدية، فطافوا بها، وإلا فلا، على أن بعض العرب، وإن كانوا من قريش يقولون لا نطوف بثيابنا؛ لأنها ثياب عصينا الله فيها فلا نطوف بها، نقول: إذا طفتم عراة فهي ثياب عصيتم الله بها، أي: بخلعها.

وكانت المرأة تأتي فتطوف عارية، وتضع يدها على فرجها، وترتجز في الطواف وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله

وما بدا منه فلا أحله

أي: ما بدا منه فلا أحل لأحد أن ينظر إليه، وهذا من الجهل.

أما في الإسلام - ولله الحمد - فلا يطوف بالبيت عريان، ومن المعلوم أنه لا أحد يطوف خالعاً ثيابه.

لكن قد يطوف وهو لم يستر الستر الواجب بأن تكون عليه ثياب رقيقة، وعليه سراويل لا تصل إلى الركبة، فيطوف فلا يصح طوافه؛ لأنه لم يستر عورته؛ إذ لا بد من ستر ما بين السرة والركبة بالنسبة للرجال، أما النساء فحكم سترها في الطواف كحكم سترها في الصلاة.

قوله: "أو نجس لم يصح" يعني متنجساً، وإلا فالإنسان لا يمكن أن يكون نجساً بل متنجساً، والمتنجس أي: الذي أصابته نجاسة، وهذا إشارة إلى شرط من شروط صحة الطواف وهو أن يكون طاهر الثوب والبدن، فلو طاف وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة فإن الطواف لا يصح، والدليل على ذلك ما يلي:

أولاً: أن الطواف بالبيت صلاة عند الجمهور، فكما لا تصح الصلاة مع النجاسة فكذلك الطواف.

ثانياً: ولأن الله تعالى أمر بتطهير بيته للطائفين، والقائمين، أو العاكفين، والركع السجود، فإذا أمر بتطهير مكان الطائف الذي هو منفصل عنه، فتطهير ملابسه المتعلقة به من باب أولى، وعلى هذا فلا يحل أن يطوف بثوب نجس، أو يطوف وهو متنجس البدن، بل لا بد أن يغسل النجاسة، من ثوبه وبدنه.

مسألة: لم يذكر المؤلف - رحمه الله - ما إذا طاف محدثاً اكتفاءً بما سبق في نواقض الوضوء، حيث قال: "ويحرم على المحدث مس المصحف، والصلاة، والطواف" ، وعلى هذا فيشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بالآتي:

أولاً: قوله تعالى: { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] .

ثانياً: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام صحيح" .

ثالثاً: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله عنها: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" .متفق عليه

رابعاً: قوله صلّى الله عليه وسلّم - حين أراد أن ينفر فقيل له: إن صفية قد حاضت -: "أحابستنا هي؟"، قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فانفروا،متفق عليه.

وذهب شيخ الإسلام - رحمه الله - إلى أنه لا يشترط الوضوء للطواف، وأجاب عن هذه الأدلة بأن قوله: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام" لا يصح مرفوعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن عمومه لا يستقيم، لأن لفظه: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام" والاستثناء عند الأصوليين معيار العموم، أي: أنه إذا جاء شيء واستثني منه شيء دل ذلك على أن بقية الصور غير المستثناة داخلة في المستثنى منه، فيكون عاماً إلا في الصورة المستثناة، وهنا لا يصح أن يقال: إن الطواف بالبيت صلاة في كل شيء إلا الكلام؛ وذلك لأنه يخالف الصلاة في أشياء كثيرة سوى الكلام.

فمن ذلك: أنه لا يشترط فيه القيام، والصلاة يشترط فيها القيام، أي: لو طاف يزحف فإن طوافه صحيح.

ومن ذلك: أنه لا يشترط له تكبير، والصلاة يشترط لها تكبيرة الإحرام.

ومن ذلك: أنه لا يشترط له استقبال القبلة، بل لا بد أن يكون البيت عن يساره.

ومنها: أنه لا تشترط فيه القراءة لا الفاتحة، ولا غيرها، بل لا يسن فيه أن يقرأ الفاتحة بعينها وسورة معها.

ومنها: أنه ليس فيه ركوع ولا سجود، ولا يجب فيه تسبيح.

ومنها: أنه يجوز فيه الأكل والشرب، والصلاة لا يجوز فيها الأكل والشرب.

ومنها: أنه لا يبطله الضحك، والصلاة يبطلها الضحك.

ومنها: أنه لا تشترط فيه الموالاة على رأي كثير من العلماء، والصلاة تشترط فيها.

ولو أنك تأملته لوجدت أنه يخالف الصلاة في أكثر الأحكام، وكلام الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا بد أن يكون منضبطاً، ولا ينتقض بصورة من الصور، فلا يصح مرفوعاً؛ بل هو موقوف على ابن عباس من قوله.

فالصواب أن الطواف بالبيت ليس صلاة، بل هو عبادة مستقلة كالاعتكاف تماماً.

فإن قال قائل: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم طاف طاهراً بدليل أنه صلى ركعتين بعد الطواف مباشرة ولم ينقل أنه توضأ؟ قلنا: نعم، نحن لا ننكر أن يكون الإنسان في الطواف على طهارة خيراً من أن يكون على غير طهارة، لأنه ذكر وعبادة فينبغي أن يتطهر لها؛ ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم للرجل الذي سلم عليه ولم يرد عليه حتى تيمم قال: كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ، فلا شك أن الوضوء في الطواف أفضل وأحوط.

فإن قيل: وقول ابن عباس ألا يكون حجة؟

فالجواب: أن قول الصحابي يكون له حكم الرفع إذا لم يكن للرأي فيه مجال، فإن كان للرأي فيه مجال فهو موقوف وللعلماء خلاف مشهور في قول الصحابي هل يكون حجة أو لا.

وأما الاستدلال بقوله تعالى: { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] ، فهذا أمر بتطهير البيت من الشرك وأهله، ومن النجاسة أيضاً، كما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بصب الماء على مكان نجاسة الأعرابي في مسجد المدينة، فلا يلزم من وجوب تطهيره من الخبث، أن يجب على الطائف بالبيت أن يكون طاهراً من الحدث؛ لأنه لو لزم من ذلك لقلنا يجب على الإنسان أن يتطهر لدخول المسجد الحرام، وإن لم يرد الطواف، ولو كان كذلك أيضاً لكان مناقضاً لقول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: "المؤمن لا ينجس" متفق عليه، ولو كان كذلك لوجب على المعتكف أن يكون طاهراً من الحدث.

وأما حديث عائشة، وحديث صفية - رضي الله عنهما - فليست العلة عدم الطهارة، وإنما العلة عدم جواز مكث الحائض في المسجد، وهذا لا يستلزم وجوب الطهارة في الطواف، ولهذا كان القول الراجح أن المرأة إذا اضطرت إلى طواف الإفاضة في حال حيضها كان ذلك جائزاً، لكن تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر، أي: تجعل ما يحفظ فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد.

وهذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيها النص ظهوراً بيناً، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: {) يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} [البقرة: 185] .

مسألة: الدعاء الجماعي في الطواف فيه إشكال لأنه لم ينقل عن السلف فيما نعلم؛ لأنه يؤذي الناس ويشغل عن الدعاء الخاص لا سيما إذا كان الطائف بهم جهوري الصوت، أما إن كان بصوت خافت لتعليم من معه، فأرجو ألا يكون به بأس، وأما أخذ الأجرة عليه فيجوز؛ لأنه من جنس أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ولكن بعضهم يتخذ هذا مهنة ووسيلة لأخذ أموال الناس.

مسألة: الذين يطوفون على السطح فإذا بلغوا المسعى ضاق المطاف فبعضهم ينزل إلى المسعى، فهل نقول: إن هؤلاء طافوا جزءاً من الشوط خارج المسجد لأن المسعى ليس من المسجد؟

الجواب: نعم نقول إنهم طافوا خارج المسجد، ولكن إن كان الذي أوجب لهم ذلك هو الضيق والضنك، والناس متلاصقون فنرجو أن يكون ذلك مجزئاً على ما في ذلك من الثقل، ولكن للضرورة.

قوله: "ثم يصلي ركعتين خلف المقام" ، أي: بعد الفراغ من الطواف يصلي ركعتين خلف المقام، لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وينبغي إذا تقدم إلى المقام أن يقرأ قول الله تعالى: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً } [البقرة: 125] كما قرأها النبي صلّى الله عليه وسلّم ، لأجل أن يشعر بفائدة عظيمة وهي أن فعله لهذه العبادة كان امتثالاً لأمر الله - عزّ وجل - حتى تتحقق بذلك الإنابة إلى الله - سبحانه وتعالى -، والذل لأوامره.

وقوله: "خلف المقام" ، أي: مقام إبراهيم - عليه السلام - وهو معروف، وسمي مقاماً؛ لأنه قام عليه - عليه الصلاة والسلام - حين ارتفع بناء الكعبة ليبني مِن فوقه.

وقد قيل: إن موضع قدميه كان بيِّناً في هذا الحجر، لكن لطول السنين، وكثرة ما يتمسح به
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبه

حبيبه


عدد المساهمات : 3242
نقاط : 33668
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
العمر : 37
الموقع : بدر البدور

دخول مكـــــــــــــــــة Empty
مُساهمةموضوع: رد: دخول مكـــــــــــــــــة   دخول مكـــــــــــــــــة Emptyالجمعة أكتوبر 15, 2010 8:36 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبير الزهور

عبير الزهور


عدد المساهمات : 1811
نقاط : 30768
تاريخ التسجيل : 15/11/2009
العمر : 35

دخول مكـــــــــــــــــة Empty
مُساهمةموضوع: رد: دخول مكـــــــــــــــــة   دخول مكـــــــــــــــــة Emptyالجمعة أكتوبر 29, 2010 11:08 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
منال

منال


عدد المساهمات : 283
نقاط : 27559
تاريخ التسجيل : 05/01/2010
العمر : 36

دخول مكـــــــــــــــــة Empty
مُساهمةموضوع: رد: دخول مكـــــــــــــــــة   دخول مكـــــــــــــــــة Emptyالإثنين يناير 03, 2011 1:46 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مستر حازم




عدد المساهمات : 1540
نقاط : 29904
تاريخ التسجيل : 24/10/2009

دخول مكـــــــــــــــــة Empty
مُساهمةموضوع: رد: دخول مكـــــــــــــــــة   دخول مكـــــــــــــــــة Emptyالخميس يناير 20, 2011 11:17 pm

بارك الله فيك ِ ، و سدد خطاك ِ لكل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دخول مكـــــــــــــــــة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» يمنع دخول
» الدعاء عند دخول السوق
» دخول الخلاء، وهو يحمل المصحف
» فصل فيما يفعله الحاج عند دخول مكة
» أكلات مغربية.. ممنوع دخول الصائمين!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
لحظه فراق :: !۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩االمنتدى الاسلامى۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩ :: ۩®۩االحج والعمرة۩®۩-
انتقل الى: