السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الصيام مدرسة فريدة لتربية النفوس, ودورة تدريبية لتقويم السلوك وغرس الفضائل والحث علي الخيرات , ولقد أكرم الله عباده بشهر رمضان واختصه من بين الشهور, وجعله موسماً لمضاعفة الحسنات والتسابق إلى الطاعات , كما اختص هذا الشهر الكريم بأعظم خصوصية وهي نزول القرآن الكريم فيه ,في ليلة من أفضل الليالي وأجلها, ألا وهي ليلة القدر ..
ورغم هذه النعم الإيمانية إلا أن كثير من النساء المسلمات ينفرط من بين يديها عقد أيام مباركات , فلا تشعر إلا وقد انتهى الشهر وخرجت منه صفر اليدين , فكيف تتجنب ذلك ؟
عزيزتي المرأة المسلمة:
لقد أظلك شهر عظيم ونفحة ربانية وهدية إلهية كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: 'إن لله في أيام دهره نفحات فتعرضوا لنفحاته واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم'.
فعليكِ عزيزتي باستغلال هذا الشهر بنفس متحمسة راغبة في فعل الخيرات، لما فيه من فضائل لو علمها العاقل لم يفرط فيها، ويحرص على استثمار ساعات رمضان بل ودقائقه ولا يستسلم لمرض 'التسويف' الذي يقطع أعمارنا ويكون سببًا في التفريط في هذه النفحات الربانية.
لقد كان السلف الصالح رضوان الله عنهم إذا أقبل رمضان تركوا طلب الحديث وطلب العلم من أجل التفرغ لقراءة القرآن. فكان الزهري إذا دخل رمضان يقول: 'إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام'.
*مع بداية هذا الشهر الكريم كيف تقضي المرأة المسلمة يومها في رمضان ؟
لابد أن نسأل أنفسنا أولاً .. لماذا فضل الله عز وجل هذا الشهر عن سائر الشهور كلها ؟ فضله الله لأن به الصيام - القرآن - ليلة القدر, فالذي يريد تفضيل هذا الشهر يفضله بما فضله الله به, ولذلك أقول لابد للمرأة المسلمة أن تضع لنفسها منهجاً في رمضان ومستوى للأداء لكي تقوِّم عملها بعد ذلك, ولتكن هي خير عون لجميع أفراد الأسرة لاغتنام فضائل هذا الشهر العظيم ..
1- فاتفقي مع زوجك على أن يجلس أفراد الأسرة في الليلة الأولى من رمضان تتذكروا فيها فضائل رمضان وليكن للأولاد نصيب من هذه الجلسة ..
2- حددوا معاً حداً من العبادة في هذا الشهر وليكن مثلاً : قراءة جزء يومياً من القرآن تلاوة وتدبراً وجزء سماع وأن تختاروا أحد المساجد التي يُقرأ فيها بجزء كل ليلة في صلاة التراويح .
3-بالنسبة للأولاد : من سيصوم ؟ وحجم صيامه إذا كان صغيراً ؟ والوسيلة التي سوف تتبعونها في تشجيعهم على الصيام؟ ومن منهم سيحضر التراويح معكم؟ وأين سيكون الأولاد الباقون؟
4-عاوني زوجك وأولادك على الاعتكاف , فأعدي لكل واحد حاجياته وتناقشي معهم في ماهية وسيلة إطعامهم ؟
5- تتجنب الأخت المسلمة أحاديث الهاتف التي لا طائل من ورائها سوى الدردشة والتي قد تجر إلى الغيبة بدون أن تدري .
6-اتفقي مع أفراد أسرتك على أن تكون هناك حلقة ذكر يومية وأشركي الأولاد في الإعداد لفقراتها, ولا تنسي أن تقرئي ولو خمسين آية قبيل الفجر وبعد السحور وكذلك دعاء السحر والأفضل أن تجتمعوا عليه .
7-اهتمي بصلاة الفجر وصلي بالبنات الصغار جماعة , ولا تنسي أذكار الصباح وردديها بصوت هادئ في خشوع وليردد الأولاد من خلفك , وإن استطعت الجلوس للشروق في ذكر ودعاء ثم تصلين ركعتي الضحى وإلا فلا تنسي صلاة الضحى بعد استيقاظك.
إليك أيتها المرأة المسلمة هذه الإشارات التي تعينك على رسم خطتك في هذا الشهر الكريم:
1- أنت والقرآن: فرمضان شهر القرآن. حددي وقتًا لقراءته بتدبر ولا تلهيك أعمال المنزل عن قراءة القرآن واغتنام هذه النفحات المباركة.
2- أنت والصدقة: تصدقي وأنفقي وتذكري قول الرسول صلى الله عليه وسلم: 'يا معشر النساء تصدقن, فإني رأيتكن أكثر أهل النار'. ولقد كان رسول الله جوادًا, وكان أجود ما يكون في رمضان, فهو كالريح المرسلة, وحثي أيضًا أولادك على الصدقة بجزء من مصروفهم ليعتادوا العطاء والجود.
3- أنت والدعاء: حددي الأدعية التي ستدعين بها في ورقة، وتذكري أن للصائم دعوة لا تُرد, ادعي لأولادك بالصلاح والهداية، ولا تدعي عليهم, فدعوة الوالد على الولد مستجابة, وعلمي أولادك الأدعية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
4- أنت وصلة الأرحام: فرمضان فرصة لغسيل النفس والتواصل الأسري والتقارب الاجتماعي, اتصلي بأقاربك وصلة رحمك إن ضاق وقتك عن الزيارة, وخاصة الوالدين وأهل الزوج وكسب ودهم وبرهم والإهداء إليهم, فإن الرحمة لا تنزل على قاطع رحم.
5- أنت وقيام الليل: احرصي على قيام الليل مهما كانت الظروف وتذكري قول رسولنا الكريم: 'من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه'. ولا تلهيك أعمال منزلك عن قيام ليلك.
وخاصة في العشر الأواخر من رمضان, وفيها ليلة القدر, من حرم خيرها فقد حرم خيرًا كثيرًا. اللهم لا تحرمنا خيرها وأجرها.
6- أنت والصلاة في المسجد: إن تمكنت من الصلاة في المسجد فلا بأس، وإن لم تستطيعي فـ'بيوتهن خير لهن', صلي في بيتك وأعانك الله على قيام رمضان.
7- أنت والمطبخ: يقول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]. فلا تسرفي في إعداد الطعام وأصناف المأكولات بما يؤدي إلى تضخم في ميزانية البيت وتضييع الوقت، واستثمري الوقت أثناء إعداد الطعام في سماع القرآن الكريم والأشرطة المفيدة والدعاء. ولا تنسي وجبة السحور امتثالاً لأمر رسولنا صلى الله عليه وسلم: 'تسحروا فإن في السحور بركة', وأيضًا اهتمي عند إعدادك وجبتي الإفطار والسحور أن تكون مشتملة على كل العناصر الغذائية وخاصة الفيتامينات المتمثلة في طبق السلطة والفواكه, لأن ذلك يعينهم على مواصلة الصوم.
* فماذا عن العشر الأواخر؟
الأسرة المسلمة تستعد للعشر الأواخر حيث فيها ليلة القدر ولا يمكن أن يتصور أحد عظم هذه الليلة " ليلة القدر خير من ألف شهر" أي ما يعادل عبادة 83 سنة تقريباً وهذا من رحمة الله بهذه الأمة , ولقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التماسها في العشر الأواخر من رمضان, وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر، فيجب عليك أختي المسلمة أن تبذلي قصار جهدك في اغتنام هذه الليلة المباركة, إذ كيف ننام وسيدنا جبريل والملائكة تنزل للسماء الدنيا أو كيف نجلس أمام التلفزيون وندع هذا الخير العظيم ..وللأسف الشديد غالبية المسلمات يمضين العشر الأواخر في الاعتكاف على إعداد كعك العيد ويتفننَ في شتى فروعه وأصنافه .. فحذار .. حذار أختي المسلمة من أن تضيعي وقتك في غير عبادة الله في هذه الأيام المباركات.
وأنصحك بالاعتكاف ولو ليوم واحد على أن تخصصي مكان معين لك في البيت لذلك كما كانت تفعل أمنا عائشة رضي الله عنها .
و كما على المرأة الإهتمام بأحوال الأسرة في رمضان، فكذلك الحال بالنسبة للآباء و المربيين، فإليكم 15 فكرة لتنمية الروابط الأسرية:
1- مائدة القرآن : اتفق مع أبنائك على جلسة يومية طوال الشهر الكريم، على أن تكون مخصصة لقراءة جزء من أجزاء القرآن الثلاثين فما اجتمع المسلمون على فائدة أكثر بركة ونفعا من مائدة القرآن.
2- رحلة عائلية: اذهب مع أبنائك في رحلة يومية بعد الإفطار إلى مسجد تتفقون على أداء صلاة التراويح وقيام الليل، ففي ذلك تعويد لهم على أداء تلك العبادة المحببة في جماعة لأنه ثبت علمياً أن لها فائدة صحية عظيمة فضلا عن تأثيرها النفسي العظيم.
3- ساعة تفسير: ومن أهم الأشياء التي تبني أخلاق أبنائنا أن يتعرفوا على معاني القرآن الكريم وأسباب نزول الآيات وغير ذلك من أمور تتحقق بالقراءة الجماعية لأحد كتب التفسير البسيطة مثل كتاب السيرة النبوية للأطفال.
4- أطباق جديدة وتعاون: اتفق مع زوجتك على توزيع الأدوار بحيث يقوم كل فرد من أفراد الأسرة بدور على قدر طاقته في إعداد الطعام لوجبتي الإفطار والسحور، ولا تنسى إعداد قائمة بأطباق جديدة تضفي شيئاً من التغيير.
5- دروس: احرص عزيزي المربي – على تخصيص وقت قصير توضح خلاله أحد أحكام الصيام، ومن الأفضل أن يكون ذلك في إطار معالجة موقف خاطئ من شخص ما، أو الاستعانة بكتاب.
6- أسري جدا: أعط الأولوية في هذا الشهر للتواجد مع عائلتك على مائدة الإفطار، واجعله شهر للأسرة لا شهر الأصدقاء، ولا يعني هذا الحرمان من ثواب إفطار صائم، فلذلك طرق كثيرة.
7- حق الجار: رمضان شهر الخير والرحمة، ومما يترك أثراً طيباً يدوم أن تتذكر جارك قبل الإفطار بإهدائه طبقاً مميزاً، خاصة إن كنت تعلم أنه يحبه تهادوا تحابوا.
8- أفكار مرحة: شجع أبنائك على ابتكار أفكار جديدة ، وذلك في اجتماع أسري تلفه البهجة والمرح.
9- صدقة: عوِّد أبناءك الخير في رمضان موسم الخير، وأرشدهم لبذل صدقة يومية لأحد الفقراء، أو التبرع لصالح الانتفاضة أو غير ذلك من المستحقين.
10- حفظ: اقتنص الفرصة، واعمل على استثمار صفاء ذهن الأبناء مع الصيام وحفظهم بضع آيات من القرآن الكريم كل يوم قبل صلاة الفجر أو قبل صلاة المغرب وعرفهم أن مكانهم في الجنة مرتبط بقدر ما حفظوا من القرآن .
11- صلة الرحم: أصحب أبناءك في كل يوم بعد صلاة التراويح في زيارة قصيرة إلى أحد الأقارب ولا بأس أن تعلمهم بإيجاز قيمة صلة الرحم في البركة في الأرزاق والأعمار.
12- ساعة إجابة: يحب الله أن يسمع دعاء عبده ومن الأوقات التي يستجيب فيها الله دعاء عبده عند الإفطار فهذا الدعاء لا يرد وكل يدعوا لأخيه.
13- أخوة: ذكرِّ أبناءك- خاصة إذا اشتكى أحدهم الجوع أو العطش أن من المسلمين إخوة لهم في بلاد عديدة لا ينعمون بما ينعم به من دفء الأسرة، ورعاية الوالدين، ليتذكرهم بالدعاء عند إفطاره.
14- استعدادات: ادع أبناءك للتعاون في الأيام الأخيرة مع شهر رمضان المبارك للقيام بحملة تنظيف وتزيين للمنزل استعداداً لاستقبال عيد الفطر.
15- ملابس العيد: احرص على اصطحاب أبنائك في بعض الجولات إلى السوق لشراء ملابس العيد وبعض الهدايا فهذه فرحة الصائم ومكافأة الله لعباده بعد الصيام والقيام.
اخوتي رمضان المبارك ، شهر البركة والرحمة يقول عليه الصلاة والسلام : " أتاكم شهر رمضان ، شهر بركة ، يغشاكم الله فيه برحمته ، ويحط الخطايا ، ويستجيب الدعاء ، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيراً ، فإن الشقي من حرم رحمة الله " [ أخرجه الطبراني ] ،
رمضان شهر العبادة والطاعات ، شهر العفة والنقاء ، والطهر والصفاء ، رمضان شهر التوبة والصيام ، والصلاة والقيام ، رمضان شهر الجود والقرآن ، والإخبات والإحسان ، شهر التهجد والتراويح ، والأذكار والتسابيح ، له في قلوب الصالحين بهجة ، وفي قلوب العباد فرحة ، فنسأل الله أن يبلغنا شهر رمضان ، ويكتبنا فيه من العتقاء من النيران
و كل عام و انتم بخير و امة محمد صلى الله عليه و سلم بخير